لو نظر القارئ إلى الصورة رقم (١) لرأى ابن آوى يعزف بالناي الطويل ذي الثقوب العديدة. والناي المصري القديم خشبة طويلة مجوفة بها ثقوب جانبية تصوّت إذا نفخ فيها. ولا يظن القارئ أن المصريين توصلوا إليها طفرة واحدة فقد قطعوا مئات السنين حتى توصلوا إليها وهي قديمة عثر عليها من نقوش سبقت تاريخ الأسر.
أما الصورة رقم (٢) فهي لآلة الجنك أو الصنج (الهارب) وهي عبارة عن صندوق مصوت من الخشب ثبتت أوتاره الكثيرة بأوتاد (تقابل المفاتيح في الآلات الوترية الحديثة) وقد قضت هذه الآلة أيضاً زمناً طويلاً حتى تطورت واستقرت كما ترى في شكلها كاملة ناضجة، وإذا علمنا أنها آلة وترية وأن الآلات الوترية هي أحدث أنواع الآلات الموسيقية أمكننا أن نلمس إعجاز قدماء المصريين وجبروت عبقريتهم وعظيم حضارتهم. . .
والصورة رقم (٣) وهي التي قلنا عنها إنها تمثل فرقة كاملة فيها المغني والضارب بالجنك أو الصنج والعازف بالناي والعازف بالزمارة المزدوجة. وقد يتكرر أحد أفراد هذه الفرقة فترى أكثر من عازف للصنج أو الناي في الصورة الواحدة كما هو الواقع في شكل رقم (٣).
إن الناظر إلى المغني في الشكل المذكور ليلفاه ملوِّحاً بيده في الهواء. ولا يظن أن هذا هراء فقد كان المطرب يستعين بهذه الحركة ليرتِّب الإيقاع وينتقل باللحن من نغم إلى نغم، ويقود عازف الناي أو ضارب الصنك. . . وكان لهذه الحركة أثر عظيم في الموسيقى المصرية القديمة حتى الغناء باللهجة الهيروغليفية كان يسمى (جِسِيْثْ إمْ جِرِثْ) ومعناه الحرفي (الموسيقى بواسطة اليد).
وتُرجِع أوربا أصل التدوين الموسيقي (النوتة) إلى حركة اليد وتسميها لغة إن التي ظهرت بعد أربعة آلاف سنة من هذا التاريخ هي الطريقة المصرية تماماً مع فارق بسيط. فمصر رسمت في الهواء باليد، وأوربا رسمت في الورق باليد!. . .
بل إنها لا تزال إلى هذا العصر تستعملها، وقد استعملها في مصر لتعليم الأطفال الدكتور الحفني فخلد لكل نغمة من النغمات السبع الأساسية التي يتكون منها السلم الموسيقي حركة خاصة تعرف بها وتدل عليها اليد وعممها في جميع مدارس رياض الأطفال. . .
وقد كان المطرب المصري القديم إذا غنى في وضع يده اليسرى تجاه أذنه وخده ليتمكن من