الصميم من قلب ديموس، وأن يحل فيه محل كليون الذي لم يستطيع أن يباري (بائع السجؤ) في ميدان المهاترة والوقاحة والبرجوازية! وبذا تربع كريتوس في كرسي الوزارة - كرسي النبل والشرف! - مكان الغريم المنهزم.
وهكذا كان منطق أرستوفان في تحليله للديمقراطية. . . فمن يستطيع أن يجرد هذا المنطق العجيب من الحق - أو من بعض الحق - فيما يتعلق بمآل الديمقراطية إذا منحت بلا قيد ولا شرط لشعب أخذت عوامل الانحلال تدب فيه مثل الشعب الأثيني؟ ومن يمنع بائع السجؤ من أن يصل إلى كرسي الوزارة ليتحكم في أعناق السراة من النبلاء وأساتذة الجامعة ومسرح الأكروبوليس فيتصرف فيهم كأنهم عبيد أبيه أو قطعان الماشية يسيمها حيث يشاء!
هذا وينبغي أن نرجع إلى الوراء قليلاً لنعرف ماذا نشب من المعارك بين أرستوفان وبين كليون قبل نظمه لفرسان سنة ٤٢٤ ق. م فإن تاريخ العداوة بين الرجلين يرتد إلى ما قبل ذلك، حينما تقدم أرستوفان بملهاته (البابليون) - وهي ما تزال ضائعة إلى اليوم - للمباراة العامة في الشعر الكوميدي في عيد باخوس الصيفي (الديونيزيا) سنة ٤٢٦، وهو العيد الذي كان يحضره أحلاف أثينا من كل صوب ليشاركوا الأثينيين أفراحهم، فكانت هذه الملهاة مما شاهدوا، وفيها صور أرستوفان أحلاف أثينا عصبة من العبيد الأرقاء يجرون طاحونا ثقيلاً لديموس (جون بول أثينا!) وكان صارماً إلى آخر حدود الصرامة في حملته على النظام الديمقراطي السائد الذي كانت تهيمن بوساطته عصبة بعينها من الزعماء على مقاليد الحكم فلا تريم عنها ولا تستطيع فئة أخرى أن تحل فيه محلها ما دامت الأكثرية - والأكثرية دائماً هم الغوغاء - مؤيدة للفئة الأولى.
كان أرستوفان عنيفاً إلى غاية حدود العنف في هذه الملهاة المفقودة، وقد استطاع أن يفضح كليون وزبانيته فضيحة قهقه لها الأحلاف من وراء أشداقهم، وإن صورهم في هذه الصورة المزرية الشائنة التي خفف من مرارتها في نفوسهم ما شاهدوا من تصويره لرجال الحكم وعلى رأسهم كليون الهائل. . . فلما عاد الأحلاف بعد انتهاء حفلات الديونيزيا، أمر كليون فقبض على أرستوفان وحوكم من أجل ملهاته تلك بتهمة الخيانة العظمى، لأنه فضح الدولة وأهان أحلافها، وصنع ذلك في غير تورع ولا احتشام في عيد ديني قومي!