ولسنا ندري ماذا كان الحكم الذي أصدره القضاة على أرستوفان. ويبدو أنه لم يتعد الغرامة أو التوبيخ، ونستنتج ذلك مما صنع أرستوفان في العام التالي حينما تقدم إلى المباراة الكوميدية في عيد الريع الـ (لينايا) سنة ٤٢٥ - أي بعد محاكمته بتسعة أو ثمانية أشهر تقريباً - بملهاته ألـ أخارنيين - وهي أقدم ما حفظت لنا يد العفاء من كوميديات أرستوفان - وفيها يعتذر للجمهور عما وقع فيه من إهانة الحكومة وتحقير الحكام في ملهاته سالفة. . . ولو أنه كان قد حكم عليه بحكم شديد أو يتعدى الغرامة أو التوبيخ لما استطاع في مثل هذه السرعة أن ينظم ملهاته الجديدة، ويحتفظ فيها بثباته وبراعة نكتته، ولما تناول فيها شخصية كليون أيضاً بشيء من التهكم اللاذع، وإن يكن هذه المرة قد بدا رفيقاً بالطاغية الجبار، فكان يسخر منه حينما يفعل ذلك في حيطة وحذر وحساب شديد
وكأنما ضايق أرستوفان أن يقف مكتوفاً هكذا لأن كليون يخفيه، ففرج عن نفسه بمهاجمة شخص آخر هو لا ماخوس، ثم شخص ثالث هو خصمه الأكبر يوريبيدز الذي يسلقه هنا بلسان حديد، ويعزو إليه إتلاف روح أثينا! وقد عجب الشاعر الكوميدي المعاصر لهذا التحرش المستمر من أرستوفان بيوريبيدز، وكان مما لاحظه أن أرستوفان ينسج على منوال خصمه ولكن في ميدان الكوميديا، فكأنما كوميدياته هي معارضات لدرامات يوريبيدز. ومن أجل هذا اخترع كراتينوس اللفظة: التي نحتها من اسمي الشاعرين للإشارة إلى تقليد أرستوفان لخصمه، وهي كما ننحت نحن في العربية بعض الكلمات التي تدل على عبارة من نحو يحوقل أي يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويحيمل من قوله حي على الصلاة الخ.
وملهاة الآخارنيين هي ملهاة نظمها أرستوفان من أجل الدعوة إلى السلام خلال حروب البلوبونيز (المورة)، وبطلها دِسيوبوليس هو مواطن أتيكي ساذج لكنه مقاحم ذكي ثاقب الفكر، وقد اضطر أمام جيوش الغزاة الإسبرطيين الذين اقتحموا قرى أتيكا إلى الفرار إلى أثينا ليلوذ بأسوارها. . . وهنا تثور ذكريات الريف الجميل الهادئ الفطري بخلد الرجل، فيأسف على العيش الساكن البسيط، وأويقات الصفاء في حقول أتيكا فيتمنى على أرباب الأولمب أن تنشر ألوية السلام على ربوع الوطن لتعود مياه الحياة إلى مجاريها. . . وتتسلسل وقائع الكوميديا فينعقد مجلس الدولة ويشتد الجدل، ويشتط الزعماء فيقسمون ألا