فأقدم من أرخ عن هذه البلاد وبقيت أخباره حتى أيامنا هذه مصدراً يعول عليه هو استرابو، ذلك العالم الإغريقي الذي عاش قبل الميلاد، فقد صور هذه البلاد (السعيدة) من جغرافيته في عبارات مشرقة لماحة الرواء رائعة التاريخ كبسمة من بسمات الدهر لهذه البلاد العريقة في القدم التي رماها الزمن بسهام صائبات في سكانها وحكامها، وقفنا على ما بلغته تلك البلاد من الشأو البعيد في مجتلي الحضارة، وبلَهْنية العيش حتى (إنهم ليحرقون الأعواد العطرية الفواحة في الوقود بدلاً من الأحطاب)
وجاءت القرون الوسطى وعصر النهضة، فتواكبت على البلاد العربية أفواج المستكشفين، مستهدفين لأخطارها، همهم الوحيد ارتياد صحاريها واستكشاف مجاهلها والوقوف على مواطن اللبان والمر والبخور وسائر الأطياب التي تفهق بها منحدرات جبال اليمن وشعاب حضرموت العميقة فوقفوا إلى أقصى حد
وإذا كان للإنجليز والألمان والفرنسيس مغامرون إلى هذه البلاد فالإيطاليون لا يقل حظهم عن هؤلاء في هذا المجال. وترجع صلتهم باليمن - الصلة العلمية البحتة - إلى العهد الذي قام فيه الرحالة الإيطالي المشهور (لودفيكيودي فرثمة) الذي يعتبر أول من راد بلاد اليمن من الفرنجة، وفتح لغيره باب المغامرات وذلك عام ١٥٠٣م، وقد طبعت رحلته خمس مرات في روما والبندقية
ثم انعكست الآية، وظهر في اليمن قبل الحرب العامة إيطالي خطِر يدعى (لويجي كابرتِّي) كان الجرثومة الأولى للفكرة الاستعمارية؛ وصفه ادوار غلازر بأنه (أحد أولئك الرجال الذين بنوا مجداً لأوطانهم) و (أول من فتح بلاد العرب للتجارة الإيطالية). وقد ظل في اليمن يعمل على بثِّ فكرته حتى قضى نحبه في صنعاء ودفن بمقبرتها، وما زال قبره هناك يعرف بصليب عليه!
وخلفه في مسعاه أخ له يدعى يوسف، يعرفه اليمانيون لليوم (بسيدي يوسف الطلياني!) فكان ضغثاً على ابّالة. . .
أما في هذه السنين الأخيرة التي تحركت الأطماع المتوثبة في صدر إيطاليا الفاشستية فقد حفلت المكتبة الإيطالية اليمنية في هذه السنين بكتب نفيسة، وأسفار ما كتب الأخباريون مثلها حتى أصبحت بلاد اليمن وحياً لأقلام الإيطاليين دون غيرهم. ولقد كتبت في السنين