التالية كتب ومقالات وتقارير عجزت عن مثلها قرون مضت! ولولا الأنفاس الاستعمارية التي ترشح في هذه الكتب لكان الإيطاليون من أكثر الشعوب الأوربية التي أسدت فضلاً عظيما ومجهوداً جليلاً في خدمة التاريخ اليمني والتنويه بذكره في المؤلفات التي نشرها كل من المأسوف عليهما العلامة نللينو والسنيور غرِّيفيني مندوب الأمبروسيانا في ميلانو وغيرهم من الذين أفنوا أعمارهم وأحرقوا أدمغتهم في سبيل الثقافة العربية والتاريخ الإنساني العام. وكما وُجد منهم الخيّرون، وُجد منهم للفاشستية أنصار اتخذوا من العلم سلاحاً يحققون به أغراضاً معينة، ويخدمون أطماعاً متوثبة نحو البلاد التي تشقى بوطأتهم. من هؤلاء السنيور سلفاتوري آبونتي صاحب هذا الكتاب الذي لا يمكن بحال من الأحوال - ونحن نعرض لكتابه هذا - أن نغمط حقه أو ننكر فضله، وما أضفاه من الأثواب الزاهية على تاريخ اليمن ونشره في أرجاء الغرب؛ كما ننكر عليه ذلك الأسلوب الاستعماري الصارخ الذي أسقط هذا الكتاب كمؤلف علمي بحت
هذا الكتاب
هذا السفر الجليل الضخم طبعته ونشرته دار (موندا دوري) بميلانو في قرابة المائتي صفحة؛ محلى باثنتين وسبعين صورة تعد من أبدع الصور، منتزعة من صميم الحياة في سهل اليمن، تمثل الزعماء، والمدن، والقصور، والمعاقل، والجبال المغطاة بأشجار البن. . .
تبتدئ نقطة الرحيل والانطلاق إلى داخلية اليمن من ثغر عدن. ويحدثنا السنيور آبونتي بقصة طريفة قبل أن يبتدئ في مسيره، وذلك أنه عمد إلى صرة فملأها بنوع من العملة الفضية التي لا تزوج إلا في بلاد اليمن والحبشة: هذه العملة هي (ريال ماريا تريزا) أو (أبو طيرة)، وهو عبارة عن ريال ضخم حالك المنظر، قليل القيمة، محدود المنفعة؛ والإمام يحيى وشعبه لا يعرفون إلا هذا النوع من النقد ولا تروج عندهم الأوراق المالية مطلقاً!
ويبارح المؤلف أسوار عدن وينحو نحو الشمال، فتصافحه (أرض العبدلي) سلطنة لحج، فيراها غارقة في بحر من النخيل تحف بها بساتين العنب وأشجار الموز؛ وتبدو الحوطة عاصمة هذه السلطنة في منظر ساحر جذاب، ويزداد المرء إعجاباً بهذه الواحة الواسعة ذلك القصر العجيب المصبوب من المرمر الفاخر الناصع وقد فرشت على واجهته الأمامية