فوطة صفراء مكتوباً عليها بالحرف العريض - خوف الالتباس - هذه العبارة:(قصر السلطان عبد الكريم فضل بن علي محسن العبدلي!)
ويحدثنا المؤلف أن (العبدلي) يعيش في بلهنية من العيش وسمو في الحياة؛ يرجع إلى المرتب الضخم الذي يتقاضاه من الخزانة البريطانية إذ لا يهمه شيء في الحياة إلا العناية بقصوره وزخرفتها بضروب الزينات ثم الشغف العظيم بزرع المزروعات ونمو النباتات وإعطائها قسطاً عظيماً من عنايته واهتمامه. والإنكليز يعلمون منه هذا الميل فيتركونه يفعل ما يريد، لأن سلطنته تكون أهم جزء من المحميات علاوة على أنها موقع مهم يمكن موقع يمكِّن الإنكليز من بسط نفوذهم إلى أعلى النجود اليمنية.
وينحدر المؤلف من سلطنة لحج، فيزهاه سهل (المخا) وقبل أن يضرب على أبواب المدينة (العالية!) تعترضه مدينة (تَعِز) وضواحيها، وهي عبارة عن تفاريق من الفراديس المصطنعة؛ مكِّنت في سهل اليمن ولها منزلة خاصة في قلوب اليمنيين؛ فحوالي هذه المدينة ينبت أعظم (كيف) تترنح له أعطاف اليمنيين وتهفو له نفوسهم. هذا (الكيف) هو شجرة (القات) التي لعبت ومازالت تلعب دوراً خطراً في الحياة الاجتماعية اليمنية. ويحسن بنا أن نذكر العبارة البليغة التي وصف بها السنيور آبونتي هذه الشجرة الملعونة (ولا مؤاخذة أيها المواطنون!) فقد حللها تحليلاً كيماوياً استهلها بقوله:
(منذ قرون خلت وسكان هذا الجزء السعيد من بلاد العرب يمضغ أوراق القات. وأول ما عرف من أمره أن أحد الرعاة لاحظ أن إبله تمددت على وجه الأرض بعد أن أكلت من هذه الأوراق، وقد غمرتها نشوة من الراحة والانبساط، وسرت في مفاصلها تيّارات خفية أخمدت من حركتها، وشلت من عملها فأخذ يضربها ضرباً مبرحاً لتنهض وإذا بأتعابه تذهب سدى، والجمال أصبحت لا تحس بألم الضرب. فبهت من هذا الأمر الغريب ووقف ذاهلاً متحيراً لا يدري ماذا يصنع؛ وأخيراً بدا له أن يطعم هذه الورقة، فقطف منها شيئاً وصار يتناولها كل يوم وعند كل فراغ. ومن ذلك اليوم أقصيت الجمال (المسكينة) عن هذه الشجرة ووجدت لها مجالاً واسعاً إلى قلوب اليمنيين، فكان متعة نفوسهم في الأفراح والأتراح!
وليس في استطاعتنا تحديد طعم هذه الأغصان، ولكن يمكننا أن نعتبر طعمها حرِّيفاً مراً