للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في أفق السياسة بوادر انكشاف الغمة

وما أشد ما نحسه من ألم وغيظ أن نذكر بعد ذلك أن البلاد ما لبثت أن تلقت من الدولتين في يوم ٨ يناير سنة ١٨٨٢ تلك الصيحة المشؤومة التي سميت بالمذكرة المشتركة، والتي قل أن نجد في التاريخ السياسي لا ولا في الخرافات التي تحكي للأطفال على مثال أوضح منها لتحكم القوى في الضعيف واستهتاره به في غير حياء أو تحرج، وحسبك أن تقرأ مثل هذا الكلام الذي بعثت به إنجلترا وفرنسا زعيمتا الحرية والديمقراطية! جاء في المذكرة: (أن الحكومتين الإنجليزية والفرنسية تريان أن بقاء سمو الخديو على العرش بالشروط التي قررتها الفرمانات السلطانية واعترفت بها الحكومتان رسمياً هو الضمانة الوحيدة في الحاضر والمستقبل لاستتباب النظام في مصر واطراد رخائها، وهما الأمران اللذان تهتم بهما فرنسا وبريطانيا العظمى. وأن الحكومتين اللتين اتفقتا اتفاقاً تاماً في عزمهما على أن تمنعا كل أسباب الارتباك الداخلية والخارجية التي يمكن أن تهدد النظام القائم بمصر، لا يداخلهما ريب في أن جهرهما بما عزمتا عليه رسمياً في هذا الأمر سيحول دون الأخطار التي قد تتعرض لها حكومة الخديو والتي لابد أن تقاومها فرنسا وإنجلترا معاً، وأن الحكومتين لتثقان بأن سموه سيستمد من هذا التأكيد ما يحتاج إليه من الثقة والقوة لتدبير شؤون بلده وشعبه)

وأي كلام يمكن أن يعبر عما تنطوي عليه هذه المذكرة من لؤم وفجور؟ ما معنى الإشارة إلى بقاء سمو الخديو على العرش؟ وما شأن الدولتين حتى تهتمان بهذا الأمر؟ وبأي حق تضطلعان بمنع أسباب الارتباكات الداخلية والخارجية؟ وعلى أي أساس يقوم ادعاؤهما وجود هذه الارتباكات؟ وكيف يجوز أن يعتمد الخديو عليهما ويستمد الثقة منهما؟

هذه هي المذكرة المشتركة التي أشار إليها بلنت بقوله: (هذه المذكرة المشؤومة التي يرجع إليها كل ما حدث من المتاعب في خلال ذلك العام والتي أفقدت مصر حريتها كما أفقدت غلادستون شرفه وأفقدت فرنسا نفوذها على جانبي النيل)

ولا تسل عما أحدثته هذه المذكرة الحمقاء من سوء الأثر في مصر لقد بلغ من إثارتها الشعور وإحراجها الصدور أن نقم عليها ما ليت وكلفن وتمنيا لو لم تكن؛ وقد كانا يريدان ألا تكون بمثل هذه الصراحة الطائشة

<<  <  ج:
ص:  >  >>