للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكانت النتيجة الطبيعية أن انضم المعتدلون من رجال الحركة الوطنية إلى العسكريين، وهو عكس ما كانت تنتظره الدولتان في غباء مضحك، ورأي العنصر أن الشبح الرجعية المسلحة، بل رأوا الغدر الأثيم يتهدد قضيتهم. وانبعثت الصيحات من كل مكان أن إنجلترا قد ألقت بنفسها في أحضان فرنسا، وأن فرنسا تريد أن تصنع بمصر ما صنعته بتونس، ولذلك يجب الاتجاه إلى السلطان والمناداة بمبدأ الجامعة الإسلامية لمقاومة هذه الحركة الأثيمة

وضاع كل أمل في تهدئة الخواطر؛ فأصر مجلس شورى النواب على موقفه في وجوب نظر الميزانية ورأى شريف في المجلس إجماعاً ضده وحماسة ما رأى مثلها من قبل. ولقد رغب جرانفل في ملاينة الأعضاء في هذه النقطة كأنما أراد أن يعالج بعض خطئه، ولكن غمبتا رفض ذلك بحجة أنه يسقط من هيبة الحكومتين أمام الوطنيين. وما أعجب أمر هذا الرجل الذي يظن أن الهيبة تكتسب بالحماقة! على أن جرانفل ما لبث إن شايع غمبتا في حماقته، فلقد كتب إليه مالت يقول: (إن المجلس باق وسيظل باقياً ما لم يحل بالقوة؛ وهذا أمر لا يكون إلا بتدخل الذي هو آخر سهم في كنانتنا والذي لا يسوغه أبدا ما قد يكون من خرق قانون التصفية. . . إني أعترف أني أفضل أن يعطى المجلس ما يطلبه من الحق وألا نتدخل حتى يسئ استعمال هذا الحق. ويجب ألا ننسى أن الأمة المصرية قد أخذت تسلك طريق الحكم النيابي خيراً كان ذلك أو شراً، وان قانون المجلس الأساسي هو صك حريتها). . هذا ما ذكره ماليت نفسه ولكن جرانفل لم يعبأ به وأرسل إلى غمبتا ينبئه بموافقة الحكومة الإنجليزية على آرائه. ونسي جرانفل أو تناسى أنه كتب إلى مالت قبل ذلك بنحو شهرين يقول له مشيراً إلى حرية المصريين الوليدة: (إن الحكومة الإنجليزية إذا ما رغبت في نقص تلك الحرية أو العبث بتلك النظم التي يرجع وجودها إليها فقد اتبعت سنة تخالف أجمل تقاليد تاريخها الوطني. . . ليس من شيء يحملنا على سلوك خطة أخرى غير قيام حالة فوضوية في مصر). فليت شعري ما الذي حدث في مصر حتى تخالف إنجلترا على هذه الصورة أجمل تقاليد تاريخها الوطني؟ وحاول شريف أن يحصل من الدولتين على مذكرة تفسيرية يستعين بها على تسكين الخواطر، فرفض غمبتا حتى هذه المذكرة وعاد جرانفل فشايعه في هذا مشايعة عمياء على الرغم من نصح الناصحين من

<<  <  ج:
ص:  >  >>