والفسيولوجيا وباقي علوم التاريخ الطبيعي، حيارى لا يدرون كيف يعللون كيفية ظهور الحياة على الأرض والتفسير العلمي الصحيح
فقال فريق منهم في أواخر القرن الثامن عشر وفي أوائل القرن التاسع عشر، منهم بوفون ومحررو دائرة المعارف إذ ذاك، ومنهم لامارك السابق لداروين في تأسيس مذهب التطور والتسلسل. قال هؤلاء إن الكائنات الحية الأولية تولدت ذاتياً من الجمادات، وهو مذهب التولد الذاتي المشهور، بل إن بعضهم بالغ في ذلك إلى الزعم بأن الأحياء السفلى الحالية مازالت تتولد الآن من الجمادات، كما يعتقد العوام خطأ بأن كثيراً من الديدان والحشرات تتولد ذاتياً من تلقاء نفسها في المواد القذرة والعفنة والمتخمرة. وقد أساءت هذه المبالغة وهذا الخطأ إلى المذهب المذكور على ما هو عليه من الوجاهة وكانت السبب في سقوطه في بادئ الأمر وقد جاءت أبحاث باستور واكتشافاته الجديدة التي قام بها في ذلك العهد تنفي - في الظاهر - ذلك المذهب وتثبت استحالة تولد الكائنات الحية الآن من الجمادات، بمعنى أن كل كائن حي مهما سفل نوعه لابد أن يتولد الآن من كائن مماثل له. وكان في الوقت نفسه قد فشلت في ذلك الحين المحاولات التي قام بها بعض الكيميائيين البيولوجيين لتركيب المواد الزلالية ولو البسيطة منها اصطناعياً. فاتخذ خصوم ذلك المذهب - مذهب التولد الذاتي - من هذا كله أسلحة لمحاربته وقتلوه في مهده.
لهذا فكر بعض العلماء أن يأتوا - بمحض خيالهم - ببذور الحياة من عوالم أخرى ففرضوا أنها تنتقل في صورة ذرات صغيرة جداً في الفضاء الكوني من بعض الكواكب إلى البعض، ومتى سقطت على كوكب صالح للحياة تنمو وتتولد منها الكائنات الحية البسيطة ثم المركبة. وبالغ أحدهم وقال إن تلك الجراثيم الكونية لا تؤثر فيها الحرارة - حرارة الكواكب الملتهبة وحرارة الشهب والنيازك التي تحملها أحياناً وتسقط بها على الكواكب والسيارات مثل الأرض وغيرها - وقد سماها أي الأحياء النارية.
ولكن هذه الفروض التخمينية فضلاً عن أنها خيالية محضة لا تستند إلى دليل علمي؛ فإنها لا تحل الأشكال بل تبعد حله بأن تنقله من أرضنا إلى عوالم أخرى. إذ لنا أن نتساءل: وكيف وجدت الحياة في تلك العوالم الأخرى التي انتقلت إلينا منها الجراثيم الحية؟ ويبقى علينا أن نبحث في أسباب وظروف تكوين تلك الجراثيم في باقي الكواكب والسيارات.