للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينفع منها ترياق.

فهذه تفرقة إذا كان الشارحان قد اتجها إليها في شرحهما بانت قيمة كلام الجاحظ، وأنه إنما كان يعني أن هذا النوع في مصر مشهور بالضخامة والطول وأنه في سجستان على الصورة التي مثلها صاحب المصباح. هكذا

على أنه لو لم تكن بين هذه الأنواع تلك الفروق التي ميزناها بها لصار في كلام الجاحظ فضول يجب علينا أن نتلمس له العذر فيه؛ إذ كيف يعطف هذه المترادفات ومعناها واحد لا يزيد ولا ينقص. إنه إذ ذاك يكون كلامه بمثابة قولنا ثعابين مصر وثعابين الأهواز وثعابين سجستان. فهل يرضى أحد منا للجاحظ بمثل هذا التهافت والتكرار المزري، إنني إزاء هذا أرى أنه كان من الواجب (لو لم أجد للجاحظ هذا المخرج من كتب اللغة) أن أقول إنه إنما كرر هذه الألفاظ ليدل على العرف الجاري في هذه البلاد، فهذا النوع في مصر يسمى بالثعابين وفي سجستان بالأفاعي وفي الأهواز بالحيات. حينذاك يستريح القارئ وتبقى لبلاغة الجاحظ صورتها الجميلة التي له في نفوسنا والتي يجب أن نحرص على بقائها كذلك

ص ١٢٩ ورد في وصف الجارود وأبي الحارث جمّين أنهما يمتحنان ما عند الناس بالكُلَف الشِّداد

فيقول الشارحان في ذلك ويمتحنان الخ أي ينزلان المحن بما عند الناس من المال بسبب هذه الكلف الصعبة. وأقول إن تفسير الامتحان بما فسراه به تكلف شديد جداً. وعندي أن الامتحان هو بمعناه المتبادر الذي يملأ عقول الطلبة والمعلمين خصوصاً في هذه الأيام وهو الاختبار، والمراد بامتحان ما عند الناس اختبار أخلاقهم ومعرفة مدى كرم نفوسهم ص ١٣١ يقول الجاحظ: سئل جمّين عن جود محمد بن يحيى فقيل له: كيف سخاؤه على الخبز خاصة؟ قال: (والله لو ألقى إليه من الطعام بقدر ما إذا حَبَس نَزْفَ السحابِ ما تجافى عن رغيف)

ثم يقول الشارحان في معنى ذلك: أي لو أعطى من الطعام مقداراً لو جعل كومة واحدة فارتفعت حتى وصلت إلى السحاب فمنعت ماءه من أن يصل إلى الأرض ما تجافى الخ، ثم يقولان بعد كلام: ووضع (إذا) في العبارة غريب أهـ. والواقع أن وضعها على حسب

<<  <  ج:
ص:  >  >>