للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

طفولته؟ إنه لا يزال غير مغن ولا نافع عند كثير من الناس حتى في زمن العلم والسيطرة على الطبيعة فكيف يغني في زمن الكهوف والإحراج والغابات؟

كيف يغني في زمن الجهل المطلق بالنفس وبالطبيعة وفي زمن عبادة الأحجار والأبقار والثعابين والجعلان والخنفسان؟

وماذا كان العقل في تلك الأزمان؟ إنه لم يكن سوى انطباعات بسيطة من تجارب الحياة المحدودة التي كان يحياها الإنسان، فكيف يقدر أن يستقل بأمر البت في أمر الإلهية وصفاتها وكمالاتها؟

إن الطفل لا يدرك في أول أمره من أمه غير ثديها وهي تلقمه إياه. . . ثم ينكشف له جسمها ومعناها عضواً عضوا وشأناً شأناً حتى يدركها كاملة. . . ولو تركته منذ ولادته لمات جوعاً ولذهب وجوده ولم يدركها. وكذلك الإلهية مع الإنسان، والله المثل الأعلى

هل يمكن أن ينشأ طفل كامل من غير أم أو من في معناها تقول له قولها المعروف وترعاه حتى يصل إلى سن الرشد فيستطيع أن يستقل بأمره بنفسه؟

أنا لا أستطيع أن أتصور الإنسان الذي هو أكرم ما في الأرض يعيش هكذا وحده وخصوصاً في عصور طفولته من غير أن يقول له قائل من وراء الغيب كلمة التوجيه والتسديد

ولو كنا نرى نوعاً آخر محترماً يعمر الأرض ويتولى الخلافة عليها ويسخرها لقلنا: لعل هذا هو المقصود بالخلق ونحن نعيش على الهامش. . . ولكننا لم نر سوانا خليفة يصح أن يكون مقصوداً بالخلق. . . فكيف يقصد وجودنا الخالق ثم يتركنا من البدء للنهاية من غير كلمة!

كلا! لن يثبت العقل على رأي ثابت في (الله) إلا إذا سمع صوتاً منه. . . وإلا فمن الحكم بين العقول المختلفة؟

كلا! لن يؤمن الإنسان بأنه شيء ذو خطر في الوجود إلا إذا قيل له ذلك من غير عالمه العقلي المستقل. . .

كلا! لن يصبر الإنسان على احتمال الحياة بلذاتها وآلامها من غير أن يسمع من يقول له: احي، واعمل، واصبر. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>