الإنسان ما الإنسان؟ إنه كل شيء في الأرض أمام نفسه وأمام الوجود الظاهر فكيف يهمل ويترك سدى من غير نداء خفي بعيد؟
إن الإنسان نفسه كبير الرحمة في بعض أفراده الذين لا يستطيعون سماع استغاثة حي ذي كبد رطبة دون أن يبكوا رحمة له، ويقولوا له: لبيك لبيك. . . فما بال الرحمن الذي ثبتت رحمته ثبوتاً محسوساً تنظر إليه عقول عباده وقلوب الباكين الدائمي البكاء له السائرين في ظلام الحياة وآلامها، اليقظين لكل فكر وحس وحركة في الوجود، الحاملين آلامهم على ظهورهم وأرواحهم على كفوفهم، الحائرين بين مذاهب الأفكار واتجاهات الطباع واختلافات الميول يقولون له:(رب الحياة! قل لنا كلمة واحدة: ما هو الحق؟ قل لنا بصوت منك أو بلمحة أو بحجة قاطعة حتى نجزم به جزم الحس مع جزم العقل. . .
إن جزم العقل وحده في هذه المسألة الكبرى لا يدخل الطمأنينة الكاملة التي لابد منها في حياة الإيمان يا مولانا! فاكشف لنا الحجاب، واهتك الأستار، وأرنا ما وراء هذه الكثافات والأجرام والأجسام والأحجام. . .) أقول ما بال الرحمن لا يسمع دعاء ممثلي الإنسانية الحائرة المقتولة بالشوق والشك المصروفة بالإفك، فيقول لها بين فترة وأخرى كلمة فاصلة يشير لها بها إلى الطريق مادامت هي القطيع المقصود، ومادام الاهتداء إلى الله هو المعنى الذي يصح أن يكون غاية الله من خلق الإنسان؟
هكذا وقف قلب كل نبي نشأ في حيرة من ضلال قومه قبل أن تتصل به شرارة الوحي، لا يرى نوراً ولا يسمع شيئاً يقول له:(من هنا الطريق. . .)
هكذا وقف كل نبي في الظلمات وبكى. . . بكى لكل شيء. . . بكى للسماء والأرض والحجر والنجم والحي والميت وكل شيء. . . وكل شيء. . .
فإذا كان منطق الإنسان الكامل ورحمته يحتمان أن مثل هذا الباحث الحائر الباكي يجب أن يرحم ويخاطب ويغاث من لهفته وخصوصاً إذا احتاجت الظروف لحركة تطهير الأرض من ضلال وفساد، فأظن ظناً يقرب جداً من العلم أن هذا المنطق وتلك الرحمة يقولان (لابد الله أن يتكلم!) أجل يحكمان على رب الوجود أن يكلم ذلك الرجل الحائر الباكي من عدم الاهتداء إلى حقيقة نفسه وحقيقة الوجود. . . ولن يحمل إنسان عبء النبوة والرسالة الفادح إلا إذا سمع هذه الكلمة. . . ولن يتحدث باسم رب الوجود ويقول:(أوحى إليٌ) إلا إذا سمع