للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل هو قد وضع الكثير من قواعد النقد في موازنته بين إسخيلوس ويوريبيدز في حوارهما الشائق اللذيذ الذي اشترك فيه الإله باخوس

حزن الإله باخوس حزناً شديداً حين افتقد شعراء الدرام بعد سوفوكليس ويوريبيدز اللذين ماتا في عام واحد فلم يجد من يسد فراغهما، ولذلك اعتزم الرحلة إلى الدار الآخرة (هيدز) كما صنع هرقل من قبل عسى أن يرد منها يوريبيدز كما رد هرقل ألستيس؛ ويبدو باخوس في جلد أسد وقد تزيى بزي هرقل وحمل عصا غليظة مثل عصاه، وإن يكن مع ذاك يبدو في صورة مخنثة كدأبه دائماً - ثم يكون إلى جانبه عبده - أو خادمه - إكسانتياس - وقد علا صهوة جحش وحمل على كتفه عكازة طويلة (شمروخا!) علق فيها (مخلاته) وحقائبه وكل ما يلزم في مثل هذه الرحلة الطويلة الشاقة من زاد وماء ونحوهما. . . وقد علق هذه الأشياء في طرف العكازة حتى (تحفظ الموازنة) معه. . . ففي المشهد الأول الذي يشك المؤرخون في أن يكون كذلك (أي في أن يكون هو المشهد الأول لأن الملهاة غير مرتبة وقد ضاعت بعض جذاذات منها) نسمع أصواتاً من التنادر (التنبيط!) يتقاذف بها شعراء - أو شويعرون - يجتهد كل منهم أن ينال رضا النظارة بإتقان التهريج وإجادة (التنكيت!) وقد وقف بينهم باخوس - بوصفه حامي مسرح الدرام! - كالصنم لا يحير. . . ثم ينتهي المشهد بنقاش سوفسطائي بين باخوس وخادمه. . . ويهبطان إلى هيدز، ويفتتنُ أرستوفان في إنهاض الموتى لتكلم الزائرين، ثم يأتي أروع مشاهد الملهاة وهو هذا الحوار الأدبي الرائع بين إسخيلوس ويوريبيدز من حيث منهاج كل منهما في الشعر ووجهة نظره في الأدب - وهنا لا يستطيع أرستوفان إخفاء غله على يوريبيدز، بل يختم المشهد بنصرة إسخيلوس (الذي كان يمثل الفضيلة الأثينية والرجولة اليونانية، والشجاعة والإقدام. . . لا هذا الأحمق يوريبيدز الذي هو سبب فساد روح العصر، وأصل خراب الأخلاق!). . . ثم تنتهي الملهاة بطرد يوريبيدز ليستقر في مثواه السحيق من هيدز وقد رهقت وجهه فترة!

والمدهش في هذه الملهاة العجيبة هو قيامها على النقد الأدبي البحت، وهو وإن يكن نقداً بدائياً إلا أن المعارضات التي أتحفنا بها أرستوفان تجعلنا نعجب كيف كان الجمهور الأثيني في هذا العصر يسيغ مثل هذا الحوار الذي هو فوق إفهامه، بل يضحك له ويغرق في الضحك! ثم كيف يحدث هذا، وقد كانت أثينا على شفا الهاوية؟ ألم تدخلها جيوش اسبرطة

<<  <  ج:
ص:  >  >>