التعليم ونهضة الحياة العلمية. ويلاحظ على الخصوص في هذه الظاهرة مبلغ تعمق ملوكنا في فهم نفسية رعاياهم، وكيف ينفذون إلى قلوبهم فيملكون إحساسها بعبقريتهم الفذة. . .
في ربيع كل عام من بدء ثلاثة قرون مضت يقيم طلاب العلم بفاس ومراكش (سلطنة) رسمية لها أبهة السلطان وجلال العلم، تدوم سبعة أيام؛ ثم في اليوم الثامن تتقوض وتنهار ويعود سلطان الطلبة بعد سلطنة أسبوع طالباً عادياً كما كان قبل أسبوع فقط!
هذه أدوار فكاهية طريفة تقوم بها الحكومة المغربية رسمياً في أواخر فصل الربيع من كل سنة، وهي عادة يلذ للسائح الأجنبي أن يشاهدها ويسجل شتى مظاهرها، وقد تسلسل العمل بها منذ القرن الحادي عشر دون أن يحدث ما يمنع سيرها المعتاد
والحديث عن هذه السلطنة تجره إلى أفواه الطلبة طلائع أيام نيسان التي تتفتح فيها الطبيعة عن أكمامها، وتبتسم الأغصان عن أزهارها، وتحلو الحياة لأبنائها
فإذا هجم نيسان نشوان طروباً يجر أثوابه الخضراء اليانعة، هب طلبة القرويين بفاس وطلبة الكلية اليوسفية بمراكش. يطلبون من جلالة الملك الإذن لهم في إقامة سلطنتهم السنوية. وعند الترخيص لهم بذلك يجتمعون على انفراد بإحدى مدارسهم التي يسكنونها، ثم يقوم (مقدم) المدرسة منادياً ببيع (سلطنة الطلبة) بالمزاد العلني، ولكل طالب الحق في أن يبتاعها لنفسه مادام يستطيع أن يزيد في ثمنها على غيره، فإذا انتهت فيها الرغائب ووقف ثمنها على طالب ما، سجل العدليان الشرعيان اللذان يحضران هذا المزاد هذا البيع على الطالب المشتري، ثم ينفض جمع الطلاب معلنين سلطانهم. أما ثمن هذه (السلطنة) فيتراوح غالباً بين ١٠٠٠٠ و ٥٠٠٠ فرنك. ويلاحظ أن شراءها خاص بالطلبة الغرباء عن البلد محظور على غيرهم. ولعل هذا الامتياز قصد إليه لترغيب أهالي البادية والحواضر النائية في ورود منهل العلم من كليتي القرويين وابن يوسف، وتشجيعهم عليه بإدخال أسباب الغبطة والانشراح إلى صدورهم
أما مهمة هذه (السلطنة) فهي قيام (سلطان الطلبة) على رأس رعاياه في موكب رسمي حافل، بنزهة على شط وادي الجواهر بضواحي فاس وهذا الموكب في هيئته المؤلف منها صورة مصغرة لموكب صاحب الجلالة ملك المغرب مولاي محمد الخامس أيده الله
ويقوم (سلطان الطلبة) على أثر تعيينه بتأليف هيئة حكومته من نخبة أصدقائه الطلاب