للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحب أنك قلته؟ قال: لا، والله، إلا أني قد وردت أني قد قلت أبياتاً قالها رجل منا، كان والله مغدف القناع، قليل السَماع، قصير الذراع! قال عبد الملك: وماذا قاله؟ فأنشده الأخطل القصيدة:

إنا محيوك فاسلم أيها الطَّلَل ... وإن بَلِيت وإن طالت بك الطيل

حتى وصل إلى قوله:

قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل

وقبل أن يسمع الشعبي رأي عبد الملك في الشعر، هتف بألأخطل في لهجة المتهكم الساخر: تالله لقد قال القطامي أحسن من هذا! فأدنى عبد الملك تفاحة إلى أنفه فشمها، ثم قال: وماذا قال القطامي؟ فأنشده الشعبي:

طرقت جَنُوبُ رحالَنا من مطرَق ... ما كنت أحسبه قريب المعنَق

ومر في القصيدة إلى قوله:

وإذا يصيبك - والحوادث جّمة - ... حَدثٌ، حداك إلى أخيك الأوثق

ليت الهموم عن الفؤاد تفرقت ... وَحلى التكلم للسان المطلق

فترنح عبد الملك طرباً إلى الشعر وإعجاباً به! وصاح: ثكلت القطامي أمه! هذا - والله - الشعر!

ونظر عبد الملك إلى الأخطل، فإذا هو كالمغشي عليه من الموت فأخذته الحمية لشاعره، وداخلته الشفقة عليه، فقال ينعش نفسه ويشد منها: ما أشعرك يا أخطل حين تقول في وصف الخمر

وتظل تنصفنا بها قرويةٌ ... إبريقُها برقاعه ملثومُ

فإذا تعاورت الأكفُّ زجاجها ... نفحتْ فشمَّ رياحَها المزكوم

لم يخف على الأخطل ما أراده الخليفة، فألقى على وجهه نظرة ملؤها الغبطة والرضاء! ثم عطف على الشعبي - والزهو يعبث بعطفيه - فقال: أسمعت بمثل هذا يا فقيه العراق؟!

فتربع الشعبي في مجلسه، وتنحنح، وأمرّ يده على لحيته إمراراً خفيفاً، ثم صاح في وجه الأخطل: بعض عجبك! فأشعر منك والله الذي يقول:

وأدكنَ عاتقٍ حَجْل رِبَحْل ... صَبَحْت براحه شرباً كراما

<<  <  ج:
ص:  >  >>