للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللطيف الضعيف؛ وأصبحنا الجنس القوي، الآخذ عليهم المهلة والأنف. ولو أن الأمر كان على العكس، فكانت المرأة هي التي عادت من الحرب، ووجدت كل هذا التطور، لما تأخرت لحظة عن اغتصاب السلطة من الرجل، ومحاربته ومناجزته، بذلك الأسلوب الجبار القاسي العنيف الذي تتوخاه في جميع منافحاتها ومقارعاتها. . .

ولكن الرجل لم يفعل أي شيء من ذلك. بل جلس ساكناً وأخذ ينظر ويراقب سير الأمور. ولعله عرف أننا سنملّ هذا التغيير الجديد على توالي الوقت؛ ولعله كان حكيماً في ألمه وعنائه، وما قاساه من خشونة العيش وضيقه في تلك الخنادق الوبيلة الضيقة فأبى أن يناوش ويداحل، واعتقد أنه وقف موقفاً نبيلاً تجاه جميع تلك التصرفات.

وإني لأجزم بأن الرجال مدهشون بوجه الإجمال: فهم أصدقاء خلصاء، ومحبون كرماء، ومنافسون شرفاء، وهم السواعد اليمنى القوية التي تتمنى أن تتكئ عليها في أحايين، أوفر السيدات استحواذاً على الحرية، وأوفاهن استمتاعاً بنيل حقوق الأمة. وإنني لأوثر الجنس النشيط الخشن على الجنس اللطيف في جميع هذه الأحوال، لأننا لا نستطيع أن نكون من نظرائه وعدلائه في نبل شعوره ومناقبه العالية وصفاته النادرة التي تتجلى في ميادين المباريات والمنافسات. ولقد كشف لي ابني الحدث هذه الحقيقة الرائعة إذ كنت أتلهى معه بالمصارعة، وكان له الغلب عليّ في جميع الحلقات، من بدائيها إلى نهائيها؛ وإذ كنت سجينة بين ذراعيه لم أفتر عن منازلته. وإني لآسف أن أقول: إن غريزة نسوية وحشية قد طغت على إحساسي بقواعد الشرف المتفق عليها في المباريات والمصارعات، وجعلتني أنقضّ عليه في تلك اللحظة خلسةً، وأعضه في محاذرة وتيقظ. . . فزاح ذراعه وتفرّس في وجهي مؤنباً وقال: (أواه منك يا امرأة!). وإن خير ما أعتقده في صفات الرجل ومميزاته هو هذا الذي بدر من ابني. . . والذي يحملني على المجاهرة في غير منّ ولا تصدق بأن الرجل يجعل النزاهة رائدة على الدوام في النزال والمصاولة. . .

(الزهرة)

<<  <  ج:
ص:  >  >>