توفيق:(إن السلطان هو الذي يحافظ على عرش توفيق فليس في حاجة إلى ضمان أجنبي. ولك أن تخبرني بما تشاء ولكني أعرف معنى الكلمات أحسن مما يعرف ماليت. . .
والوقع أن تفسير مالت كان هراء في هراء، وقد شعرت لما صرت أمام عرابي بعقلي، وخجلت من حملي إليه مثل هذا الهراء، ولكني أكدت له أني أديت الرسالة كما ألقاها إلى السير ادوارد ثم قلت: وهو يرجوك أن تصدقها وأنا كذلك).
هذا هو كلام بلنت، ومنه نتبين مبلغ غضب عرابي لهذه المذكرة كما نفهم جانباً مما كان يجيش في نفس هذا الزعيم الثائر، فهولن يجبن ولكنه لن يبدأ بالعدوان، وهو بعد ذلك يلمح نيات إنجلترا من هذه المذكرة كما يفعل السياسي البعيد النظر إذ يقرأ بين السطور كما يقولون. وما كان عرابي مبالغاً في تصوير نيات الإنجليز فلسوف نرى أن جرانفيل كان في ذلك الوقت قد وطد العزم على التدخل بالقوة!
عاد عرابي إلى الميدان. وفي الناس من تبلغ بهم الغفلة إلى حد أن يأخذوا عليه هذه العودة؛ وفيهم من يذهب بهم اتباع الهوى إلى أن يجعلوا ذلك من أكبر خطيئاته قائلين في مثل منطق البلهاء إن كان ثمة للبلهاء من منطق، إنه بعودته هذه قد ساق البلاد إلى ما سيقت إليه من دمار.
ومن المؤلم المثير حقاً أن يقول هؤلاء الناس هذا الكلام دون أن ينظروا في موقف الخديو وموقف الإنجليز على نحو ما بيننا، وهم لا يفهمون من المسألة كلها إلا ما شاع من أن عرابيا كان رجلاً ذا أطماع لا يدري ماذا يفعل؛ فكانت إذا هدأت البلاد لا يفتأ يعمل بنزقه على إثارتها ليصل إلى تحقيق أطماعه.
وأحسب الآن بعد الذي رأينا من موقف أعدائه أن هذا الكلام قد أصبح خليقاً بأن يخجل منه قائلوه. وإنا لنكاد نقطع منذ الآن أنهم - بعد أن نفرغ من سيرة هذا الرجل المظلوم على النحو الذي نسير عليه - لن يعودوا إلى مثل هذا الكلام أبداً، وسبيلنا في إقناعهم الحجة التي نستخلصها من الحوادث في عدالة يوجبها الحق، وفي عطف يتطلبه الإنصاف.
تعهد عرابي ألا يتدخل في شؤون الحكومة، فكان إذعانه لهذا الطلب أمراً لا بد منه. ولو أنه رفضه لكان في ذلك مخطئاً أشد الخطأ، ولكن عرابياً لم يتعهد أن يدع وطنه وشأنه لا تهزه بعد يوم عابدين نحوه عاطفة أو يحركه لنجدته ما عساه أن يلم بقضيته من الأحداث.