نفسه في رهبة الموقف وحماسته دون أن يملك لذلك دفعاً. قال عرابي:(البلاد محتاجة إلينا وأمامنا عقبات يجب أن نقطعها بالجزم والثبات وإلا ضاعت مبادئنا ووقعنا في شرك الاستبداد بعد التخلص منه) وقال: (وقد فتحنا باب الحرية في الشرق ليقتدي بنا من يطلبها من إخواننا الشرقيين على شرط أن يلزم الهدوء والسكينة. . .)
وإنا لنرى في ذلك الكلام من الأدلة على أن عرابياً كان يتحرك بدافع من حبه للحرية ما لا تجدي معه مكابرة؛ وعلى ذلك نتساءل: ألم يأن للناس أن ينصفوا هذا الرجل وقد قضى عليه أعداؤه ثم قضوا بعد ذلك على تاريخه الحق؟
ألم يأن لأبناء هذا الوطن وقد فرغوا من قضية استقلاله وحريته أن ينظروا إلى هذا الرجل نظرتهم إلى زعيم جاهد في الوطن حق جهاده، وأن يكفوا عن تلك النظرة الظالمة التي تصوره رئيس عصابة من الأوزاع والهمج يسيرون على نهج ولا يبتغون من وراء سيرهم غاية؟
ألم يأن لأبناء هذا الوطن أن يفطنوا إلى أن الاحتلال هو الذي صور عرابياً هذه الصورة المنكرة ليبرر بذلك فعلته، وأنهم بمجاراتهم الاحتلال وصنائعه إلى يومنا هذا فيما ادعوا إنما يثبتون على أنفسهم الغفلة ويسيئون إلى رجل ما فكر يوماً في الإساءة إلى وطنه؟ رجل إن كثرت أخطاؤه فقد حسنت نياته، وإن فاته النجاح فقد عظم في سبيل النجاح بلاؤه. ولقد قل في المحنة نصراؤه وتعدد غداة الروع أعداؤه
لا جناح على عرابي أن يعود إلى ميدان النضال في سبيل المبادئ التي اعتنقها المصريون ووطدوا العزم على تحقيقها. ولو أنه وقف في جهاده عند وثبته الجريئة يوم عابدين لحق عليه ما نسبه إليه خصومه من النزق والسير على غير هدى، ولكن هؤلاء الخصوم يلومونه على عودته إلى العمل قائلين لقد أجيبت مطالب الجند على نحو ما كان يرجو عرابي نفسه، وهم في هذا ما يجهلون حقيقة الثورة العرابية وآمال الرجل الذي نسبت إليه تلك الثورة وأغراضه، وإنما يعلمون ذلك ولكنهم يمارون فيما يعلمون، ولكنهم في الحالين ملومون فلن يقبل منهم جهلهم ولن يقرهم أحد على مماراتهم ومكرهم
وسيعود عرابي إلى الجهاد فيقف في وجه الدولتين الطامعتين. وسيسير زعيم الثورة على رأس جيش من أبناء هذا الوادي ليذود عنه في بسالة جريئة وحفاظ مرّ وفق ما توجبه