إذاً فالفرق كبير بين أن يتدخل عرابي في شؤون الحكومة وبين أن يغضب لما حل بقضية وطنه، وفي هذا الغضب دليل وطنيته ووطنية كل غاضب معه. ولقد كان من أصعب الأمور على هذا الرجل أن يدع هذه القضية وشأنها، بل لقد كان ذلك مستحيلاً عليه؛ وإني لأرجو من الذين خاصموا هذا الرجل في غير حق بعد أن أصبح في ذمة التاريخ أن يستمعوا إلى هذا الرأي الذي أسوقه عنه، ألا وهو أن الحرية كانت من طبعه لم يتكلفها يوماً ولم توجهه إليها الحوادث وهو يجهل كنهها كما يقول الذين أرادوا ألا يدعوا له محمدة إلا جعلوها بالباطل مذمة
كانت الحرية من طبع ذلك الجاويش الذي نقم على الجراكسة في الجيش استبدادهم فأكثر من الشغب عليهم. وكانت الحرية من طبع ذلك الضابط الذي اختاره زملاؤه ليحمل عريضتهم إلى رياض. وكانت الحرية هي التي دفعت هذا الرجل إلى أن
يقف ذلك الموقف الفذ عصر ذلك اليوم المشهود في ساحة عابدين، ولسوف تكون الحرية هي الحافز له إلى وثبات أخرى. . .
ولقد استوثق مستر بلنت من ذلك عند ما سعى إلى عرابي يطلب مودته قال:(وكانت غرفته الخارجية بل كان الشارع الموصل إلى المنزل يمتلئ كل يوم بجماعة الشاكين. وكان قد اتصل به نبأ عطفي على الحركة ورغبتي في مساعدة الفلاح فاستقبلني بأسمى مظاهر المودة لهذا السبب، وللصلة التي تربط أسرتي باللورد بيرون الذي كان عرابي وإن لم يعرف شيئاً من شعره يمجده لدفاعه عن حرية اليونانيين)
وكيف كان يمجد هذا الفلاح اللورد بيرون نصير الحرية إلا أن يكون هذا تجاوباً بين نفس حرة وأختها؟ ولقد كان بيرون يدافع عن اليونانيين لاعن المصريين، فلم يكن حب عرابي إياه إذاً مشوباً بعاطفة غير عاطفة حب الحرية أينما كانت وكيفما كانت جنسية الداعين إليها وكيفما كان دينهم
ولنعد إلى خطبته التي ألقاها في محطة مصر. لقد أفصح فيها وهو يرتجلها عن كثير مما تنطوي عليه نفسه. والخطيب في مثل ذلك الموقف الحماسي ينسي نفسه فلا يملك التكلف والتصنع لأنه ليس به حاجة إلى ذلك، بل لقد يكشف الخطيب عما يريد أن يغطيه إذا نسى