أما التنفس أو استعمال الأكسيجين الموجود في الهواء بواسطة الأجسام الحية فهو الفرق الجوهري الذي ذكرناه في أول هذا المقال وقلنا: إن العلماء يعلقون عليه أهمية كبرى في تفهم ماهية الحياة. وقد مرّ الأستاذ بهذه الخاصية بالذات مرّ الكرام وكان الأجدر به أن يقصر كل مقاله على بحثها ودرسها. ولأهميتها الكبرى سنبقيها إلى آخر كلمتنا هذه لنوفيها بعض الحق ونوضح ما ذهبنا إليه من أن فيها فقط يمكننا أن نعثر على الفرق الجوهري بين الأحياء والجمادات
تحرك الأحياء وتحرك الجمادات
يختلف تحرك الأحياء عن تحرك الجمادات في أن تحرك الأولى يكون بمحض إرادتها إلى درجة ما تختلف باختلاف مستوى الحيوان في سلم النشوء. أما تحرك الثانية فهو نتيجة لفعل القوى الخارجية كالرياح أو القوى الجاذبة أو الدافعة وغيرها من العناصر وليست حركة براونية إلا مثالاً للنوع الأخير كما أنه بعيد جداً عن الصواب أن تكون حركة الأجسام (تحت تأثير الجاذبية أو الألفة الكيميائية) حركة اختيارية؛ فبمجرد تسلط هاتين القوتين عليها يخرج بها عن دائرة الاختيار. ولكي نوضح ذلك نضرب مثلاً بحركة أناملي وأنا أحبر هذا المقال؛ فما أعظم الفرق بين هذه وتلك؛ ونعني حركة ذرات الأملاح في محلولاتها. أما حركات الحيوانات ذات الخلية الواحدة وهي كثيرة الشبه بحركة ذرات الأملاح فأنها تختلف عن هذه في أنها لا تكون إلا لدفع أذى أو الحصول على قوت، ومعنى ذلك أنها تكون لفائدة تعود على الجسم الحي. وتختلف عنها حركة الآلات الميكانيكية في أن هذه الأخيرة تفقد فقداناً وقتياً متى نفذ الوقود بينما يموت الجسم الحي إذا فقد الغذاء وليس الموت معروفاً بين الجمادات
التأثر في الأحياء والجمادات
يخطئ الذي يقول بأن تأثر الأحياء كتأثر الجمادات. فالمواد المفرقعة التي (تغضب) وتنفجر لا تستطيع أن تجمع نفسها (وتهدأ) أو تخفي غضبها كما يفعل الأحياء. وتأثر مواد التصوير الشمسي بالضوء لا يجلب لهذه المواد فائدة ما بخلاف الحال مع الأحياء التي تتلون بلون المحيط لتتقي شراً قد أحدق بها، أو على الأقل لمثل هذه الغاية تتلون وهي