للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أول من نشارف من البشر. وهذه القبائل لا يزال الرجال فيها يمثلون ما يشبه الدور الذي يمثله الذكر الحيوان مع أنثاه فالقوقاز لا يسلمون العروس لعروسها، وإنما يدبر العروس حملة على محلة عروسه فيهجم عليها في جمع من أهله وأصدقائه، ويختطف عروسه من بين أحضان أهلها بالقوة والعنف ليشهدها وليشهد أهلها على أنه قوي جدير بها، وليسجل عليها هذه الشهادة يذلها بها طول عمرها معه إذا حاولت أن تتمرد عليه أو أن تطاوله. وبعض قبائل الزنوج تحتفل بزفاف فتياتها احتفالاً أعجب من احتفال القوقاز وأشد افتخاراً بالقوة والجلد والصبر. وإن لم يكن فيه من الشجاعة والفروسية شيء: ذلك أنهم يتداولون على العروس السعيد بالضرب المبرح الموجع، فقدر ما احتمل الضرب وكتم التوجع عز عند صاحبته وزاد احترامها إياه ورأته حقيقاً بالحب: لها بل عليها أن تفاخر به معجبة راضية. . . ولا يزال من أهل النوبة المصريين من يفعلون ما يشبه هذا. فالعروس يطلب من صاحبته أن تحضر له جمرة من النار ليشعل بها لفافته، فتحضرها إليه. فيمسك الجمرة بيده، ويضع الجمرة على حجره، تأكل جلده ولحمه ريثما يتأنق في لف التبغ في الورق ليشمل بعد ذلك لفافته ويعيد الجمرة إلى مكانها، وبقدر ما يطول احتراق جسده ويشتد يعز عند صاحبته ويعلو قدره

والمرأة القوقازية تحب من يخطفها لأن بيئة القوقاز بيئة رعي ومهاجرة ومحاربة تكثر فيها الغارات، ويكثر فيها الكر والفر ولا يستطيع أن يخطف المرأة فيها إلا البطل. والمرأة الزنجية تحب من يحتمل الضرب الموجع في سبيلها لأن بيئة الزنوج بيئة قاسية تضرب الناس بالحر والبرد والمطر والرياح والمرض والسم، فالأشد صبراً من غيره في هذه البيئة هو البطل. والمرأة النوبية تحب الذي يحترق في سبيلها بالنار لأن بيئة النوبة يموت فيها الضعاف من وهج الحر والقيظ وشدتهما. فالذي يحتمل الحرارة عندهم هو البطل

هذه بيئات إنسانية قريبة من الطبيعة والرجل فيها لا يزال يلوح للمرأة بقوته، والحياة فيها لا تزال مستقيمة بين الرجل والمرأة

أما جمال الرجولة الخشن فقد ظل الرجال يحرصون عليه زماناً طويلاً كانوا يرسلون فيه شواربهم ولحاهم التي زينتهم بها الطبيعة ولكنهم اليوم لم يعودوا يحافظون عليه، واكتفى فريق من أهل المدنية فيهم بممارسة الألعاب الرياضية لتنمية عضلاتهم وتقويتها كما كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>