للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يفعل اليونان القدماء في وقت يذكر التاريخ أن المرأة فيه كانت متبرمة بالرجل لأنه اكتسب من رياضته تناسقاً وامتشاقاً انشغل به عن النظر إلى جمال الأنثى

ولعل هذه الألعاب الرياضية هي البقية الباقية من معالم الرجولة القوية التي تحتفظ بها الحضارة اليوم، ولكنها شيء إذا كسا البدن رجولة أو ما يشبه الرجولة فإنه لا ينفذ إلى الروح والنفس، ولذلك يستعين الرجل المتحضر اليوم على قهر المرأة بالمال أو الجاه أو النفوذ أو المنصب أو الشهرة أو غير ذلك مما يتنافس فيه الرجال المتحضرون. ونحن إذا أنعمنا النظر في هذه المميزات المدنية كلها رأينا أنها لا تتاح إلا للذين يتكالبون على العمل في سبيل الوصول إليها أو للذين يصيبونها عفواً بالوراثة أو بالواسطة؛ أما الذين يفوزون بها عن جدارة فأولئك الذين في حسابنا، وهم ينفقون في سبيلها من رجولتهم ما كانت المرأة تحب أن يستبقوه لها فهي لا تستطيع أن تستغني عن حياة المناوشة والمصارعة وهي تكره أن تبيع نفسها بالمال، وإن كانت تبيع نفسها بالمال؛ وهي لا تقنع من الرجل بجاهه وإن كانت ترتمي على أصحاب الجاه؛ وهي لا ترضى بمنصب الرجل وشهرته وإن كانت تتهافت على أصحاب المناصب الكبيرة والمشاهير، فهي تنحرف عن طبيعتها مجاهدة مستعيضة بهذه البهارج عما كانت تتوق إليه من قوة الرجل ورجولته. ولعل حوادث الخيانة الزوجية التي تتعدد وتتكاثر في المدنيات دليل قاطع على أن الزوجات ساخطات على الأزواج، وأنهن لا يزلن يبحثن عن الرجولة الضائعة في هذه الحضارة

وإذا كانت المرأة تكره المال والجاه والنفوذ والمناصب العالية وما فيها من أبهة ولا تقبل عليها إلا على سبيل البدل عن مطلبها الطبيعي، وإذا كانت لا تزال تحب أن ترضي طبيعتها بين يدي من يذلها برجولته ومن يتقن فنون المغازلة والمصارعة على ألوانها فماذا هي صانعة عند الفنان أو ماذا هو صانع بها؟

الفنان تسيطر عليه الغرائز التي تسيطر على بقية الناس فهو إنسان مثلهم ولكن هذه الغرائز لا تشتد به - حين تشتد - كما تشتد ببقية الناس، ولا تترفق به - عندما تترفق - كما تترفق ببقية الناس، فهو وإن كان يحب أن يحفظ النوع البشري كما يحب الناس أن يحفظوه فإنه يسعى إلى ما هو أشرف من حفظ النوع وهو ترقية النوع، والفنان يؤدي لهذا النوع بفنه ما يجاهد النوع دهوراً في سبيل الوصول إليه. وهو وإن كان يحب السيطرة كما

<<  <  ج:
ص:  >  >>