عزمت على ترك التناول للقات ... صيانة عرضي أن يضيع وأوقاتي
وقد كنت المضر مدافعاً ... زماناً طويلاً رافعاً فيه أصواتي
فلما تبينت المضرة وانجلت ... حقيقته بادرته بالمناواة
فقيمة شاري القات في أهل سوقه ... كقيمة ما يدفعه في ثمن القات
ثم يغادر السنيور آبونتي مدينة تَعِز فينطلق في رحاب سهل المخا، فتبدو له المروج الخضراء، والبساتين الواسعة، فلا تحرك عواطفه، ولا تثير اهتمامه. إذ كانت نفسه تواقة متحفزة لرؤية المخا المدينة العالمية، مدينة البن الرفيع. فتصدمه الحقيقة، ويقف أمام الأمر الواقع؛ وإذا به يرى هذه المدينة التي يدين لها العالم قد أخنى عليها الدهر فقضى على مجدها وسلب شهرتها، فأصبحت يباباً وأطلالاً خراباً، انفض عنها سكانها فلم تبق بها إلا أكواخ حقيرة، وقوارب ملقاة على الشاطئ، يأوي إليها السكان. . . أما مجدها فقد ألقى رحاله على الحديدة وعدن، فأصبحتا قبلة العالم في ارتقاب البن اليمني!
وخلص من المخا واندفع في تهامة حتى بلغ الحديدة - ميناء اليمن - فمكث بها أياماً. وبعد ذلك تابع مسيره ووجهته عاصمة حِمْير؛ وكان المؤلف في أثناء سيره يعجب من هذه الجبال الشجراء، وتلك الوديان التي تتدفق مياها ونباتاً. فقد كانت من أعظم المرفهّات عن نفسه من وعثاء السفر. . . وساءته جداً حالة السكان وما هم عليه من شظف الحياة والبؤس الصارخ في جميع المرافق. كما أن هذه الأكواخ الحقيرة والعشش المهدمة التي تسيء إلي روعة هذه المناظر الطبيعية تبعدها من بلاد العرب السعيدة، وتجعلها جزءاً من أفريقيا (ص ٥٤).
ودخل صنعاء - مقر الملوك السيارة - فأطلق لخياله العنان ووصفها بما هي خليقة به: