للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(هذه قصور شامخة تصافح السحاب، وهذه القباب تتألق ناصعة في رائعة النهار، وهذه منائرها ناحرة جوف الفضاء فيرتد عنها الطرف. . . هذه صنعاء المدينة العجيبة، مدينة الخرافة والأساطير. أليست صورة صادقة من ألف ليلة وليلة؟) ص ٦٢.

ويقف السنيور آبونتي على ناصية شارع من شوارع صنعاء فيرمي بطرفه على الأقوام التي تسيل بها عاصمة اليمن، فتحتدم في نفسه صور وأحاسيس، وتتحرك فيه الشاعرية، فيبرز لنا وصف صورة حية ناطقة كأنا نحسها ونشاهدها. قال (ص ٦٢):

(. . . هاهم أولاء يمرون سراعاً ممتطين صهوات خيولهم المطهمة ومن ورائهم الحشم، متدثرين بالثياب البيضاء، وعلى أكتافهم تسيل العصائب من حمراء وخضراء. وهاهن أولاء النساء يسرن محجبات؛ وهؤلاء هم البدو وقد تهدلت شعورهم الكثة الرهيبة على الأكتاف، وانكشفت صدورهم المسيلة عليها مسادر الجلود. ثم هؤلاء ذوو المناصب وأهل المقامات يحف بهم الإجلال، وعلى رؤوسهم العمائم البيض، يتبعهم بعض الخدم حاملين الرُّشب البراقة. . . ثم هاهم أولاء رجال القبائل، وقد لفحتهم الشمس فبدت ألوانهم زيتونية، مسلحين بالجنابي المعقوفة المزمتة في خواصرهم بسيور من الجلد. . . وهاهم أولاء العبرانيون في قاماتهم الضامرة وقد استشزرت غدائرهم من الأصداغ تمييزاً لهم. . . وذه هي الجمال تمشي وئيداً، وتلك الأغنام تمثل الفوضى، وقد سالت بها الشوارع. . .)

(ثم يا للعجب من هذه العمارات المذهلة! متى شيدت؟ أبالأمس؟ أم من آلاف السنين؟!)

(إنه ليحق لليمنين أن يفخروا بهذه العاصمة الفتانة، وليس عليهم بغريب أن يسموها: (عرش اليمن) و (أم الدنيا). ألم يؤسسها قحطان أبو يعرب العظيم الذي أخذ منه العرب اسمهم ولغتهم؟)

ويخرج المؤلف الإيطالي من هذه الصور الشائفة إلى ما هو أبدع منها وأغرب فقد حدثنا عن ظهور الإمام وجلوسه على عرش التبابعة. . . وعن كنوزه التي تذكرنا بكنوز ملكة سبأ. فقد تحدث السائح في ص ٧٦ عن مخابئ الإمام يحيى في جوف الأرض وأحشاء الجبال. تلك المخابئ التي تفيض ذهباً وفضة، والتي يقوم على حراستها رجال مخلصون!

وأبدع ما في هذا الكتاب، وما يهم العالم العربي الاطلاع عليه: هي شخصية الإمام يحيى تلك الشخصية العجيبة التي تناولها المؤلف في صفحات عديدة من كتابه. فيهمنا جداً أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>