الجميل هذه الشذرات، وطْرح ما لا يليق نشره، لأن الإمام شخصية شهيرة يحوطها الغموض، ويجهلها كثير من الناس وهو إلى كل هذا ملك يمثل نوعاً من الحكم المطلق ما زالت آثاره في أقاص بعيدة من الأرض. قال المؤلف في ص ٩٠ وما بعدها:
(الإمام يحيى بن محمد حميد الدين، المتوكل على الله، وأمير المؤمنين شخصية من تلك الشخصيات المهمة المدهشة التي تعيش على وجه الأرض. هو رجل وعالم. . . فهو رئيس الحكومة اليمنية التي تعيش ضمن حدودها، وهو إلى ذلك عالم ديني كبير، وزعيم لمذهب يعد أتباعه من أشد المتحمسين والمتطرفين هو واحد من أولئك الحكام أهل النفوذ المطلق، والحكم الذي لا يقابل إلا بالتسليم. يقُّر الزيود بأنه رئيسهم الديني والمدني، فهم يطيعونه طاعة عمياء، ويحترمونه الاحترام العميق. ويدفعون له المغارم الثقيلة؛ وإشارة منه كافية لإشعال حرب. ويفعلون هذا، لأن الله أراد ذلك: (إذ فوض إليه أن يحكم بلادهم، ويتسلط على أرواحهم). فشؤون الدولة اليمنية جميعها في قبضة يده ومجتلى بصره؛ وإذا كان له وزراء فإنهم صوريون يخضعون لأوامره ويخلصون له الإخلاص التام، ولا ينفذون أمراً من الأمور إلا بعد عرضه على أنظاره وموافقته عليه. ومن المسلم به أن هذا النظام من الحكم المطلق سيكلف السياسة اليمنية متاعب خطيرة. . .
(إن الإمام يحيى شخصية مقدسة لدى الكثير من اليمنيين؛ تفد إليه من أقصى (بلاد الرحل) جماعات كثيرة من البدو، يدقون القاع، ويقطعون شاسع البقاع، وقد برحت بهم الأمراض وعجز أطباؤهم عن شفائهم، فلم يبق إلا دواء الإمام، وكرامة الإمام، فتهل هذه الوفود على صنعاء، وتشخص نحو (المقام) فيمر الإمام يحيى يده على رؤوسهم وأكتافهم فيزول الشر، وتحل العافية كما كان يفعل في إنكلترا وفرنسا منذ قرون مضت: ,
(يعتقد العالم الأوربي أن الإمام يحيى شخصية غامضة ذات أسرار عجيبة ولكن هذه نظرية خاطئة نحن مسؤولون عنها فالإمام يحيى يختلف جد الاختلاف عن أئمة اليمن السابقين ذوي العجائب والغرائب!
كان أولئك الأئمة، في وقت من الأوقات، يعيشون في أبراج من العاج بعيدة عن أنظار الجمهور؛ في وحشة صامتة! وهذه الخرافة ومنهم من أعماق التاريخ القديم؛ ذلك أن ملوك سبأ كما تقول الخرافة، لا يستطيعون أن يغادروا قصورهم الفخمة فيتعرضوا لأنظار