ووالد الإمام الحالي قد حافظ على هذه العادة العجيبة، وذلك بعكس الإمام يحيى الذي كثيراً ما يتصل بشعبه، ويميل إلى الظهور في المجتمعات
هناك في فصل الصيف، في ساحة من ساحات (المقام) وتحت شجرة عظيمة وارفة الظلال يتربع الإمام يحيى وحوله ثلة من الجند، فيستمع إلى شكاوي الناس، فينصف المظلوم، ويأخذ الحق من القوي!
وقد تفد إليه من أقصى بلاد المشرق: من أرض سبأ جماعات من البدو يرجون إنصافاً، فيهدفون على المقام فينحرون الذبائح على الأعتاب جرياً على عادات قديمة
الإمام يحيى رجل عالم ومثقف، يملك مكتبة واسعة زاخرة بشتى أنواع المخطوطات العربية القيمة! وهو ميال على وجه أخص إلى علم الفلك وعلم السحر؛ كما أنه مغرم جداً بمسائل التجارة وإجادة القريض وإنشاد القصيد!
يلبس من الثياب الأبيض. وهو ذو وجه أسمر تحوطه لحية ناصعة البياض وعينين سوداوين جميلتين جذابتين. تشع منهما دلائل الذكاء والفطنة والحذر: وهو اليوم في الخامسة والستين)
هذه بلاد اليمن وعاهلها مصورة بقلم السنيور آبونتي صاحب (أسرار الحياة في اليمن) أما نصيب هذه البلاد من التقدم وحظها من الحضارة فالأمر مشكل ومحزن، فهذه البلاد التي لها ماض مجيد تعيش في القرن العشرين عيشة عجيبة بعيدة عن أنظار العالم؛ بعيدة عن الحياة التي تتمشى اليوم بحرارة في أعراق الأمم؛ منتبذة مكاناً قصياً ظانة أن الحياة في الوحدة؛ وما درت أنها تعد نفسها لأن تكون لقمة سائغة لكلاب الاستعمار!
إن أبسط مظاهر الحضارة الحديثة ما زالت اليمن تتنكر لها، وتتحرج من تتبع آثارها. فالسيارة، وقد عرفها سكان المريخ! ما زال ينظر إليها في اليمن نظرة ريبة وامتعاض. حدثنا المؤلف في ص ٩٣ أن سيارة أهديت إلى الإمام فأراد تجربتها إلى أحد المساجد فما ظهرت لدى باب المقام حتى التف خلق كثير لرؤية (عمل الشيطان) وما كاد الإمام يظهر ليعتليها حتى انسل من بين الجمهور أحد أنجال الإمام يتبعه جماعة من المتصلبة في الدين ووقف أمام والده في رباطة جأش، وعيناه تقدحان بالشرر وصاح قائلاً: وحتى أنت يا إمام