ولقد دفعته هذه الرغبة إلى تأسيس مدرسة عالية وعهد إلى قاضي زاده بإدارتها. وقد بنيت المدرسة على شكل مربع في كل ضلع من أضلاعه قاعة للدرس عُيِّن لها مدرس خاص. وكان قاضي زاده يدرس للطلاب ومدرسي القاعات ويحاضرهم مجتمعين. ومما يؤثر عنه أنه كان شديد المحافظة على كرامة العلماء والأساتذة لا يرضى بالتعدي على استقلالهم ويقف دون أية محاولة للضغط عليهم، كما كان من القلائل الذين يحملون روحاً علمياً صحيحاً، اشتغل للعلم لا لغيره، لم يبغ منه مكسباً أو جاهاً
عزل ألفي بك أحد المدرسين في المدرسة المذكورة فاحتج قاضي زاده على ذلك وانقطع عن التدريس وإلقاء المحاضرات. ويظهر أن ألفي بك شعر بخطئه فذهب بنفسه لزيارته وسأله عن سبب الانقطاع، فأجابه: كنا نظن أن مناصب التدريس من المناصب التي تحيطها هالة من التقديس لا يصيبها العزل وأنها فوق متناول الأشخاص. ولما رأينا أن منصب التدريس تحت رحمة أصحاب السلطة وأولي الأمر وجدنا أن الكرامة تقضي علينا بالانقطاع احتجاجاً على انتهاك حرمات العلم والعبث بقداسته.
إزاء ذلك لم يسع ألفي بك إلا الاعتذار وإعادة المدرس المعزول وإعطاء وعد قاطع بعدم مساس حرية الأساتذة والمعلمين
قد يمر كثيرون بهذا الحادث ولا يعيرونه اهتماماً؛ ولكن إذا نظرنا إلى حاجة قاضي زاده إلى الوظيفة ومعاشها وإلى سطوة الأمراء في تلك الأزمان وإلى الجرأة النادرة التي ظهر بها، نجد أنه لا يقدم على ما أقدم عليه إلا من أنعم الله عليه بروح علمي صحيح وبثقة في النفس عظيمة لولاهما لما وصل قاضي زاده إلى ما وصل إليه من مكانة رفيعة ومقام كبير عند العلماء وأصحاب الثقافة العالية
امتاز قاضي زاده على معاصريه بعد اعتقاده بالتنجيم أو الأخذ به؛ وكان لا يرى فيه علماً يستحق الاعتناء أو الدرس بعكس ألفي بك الذي يعتقد به ويسير أموره بموجب أحكامه. وقد أَدى هذا الاعتقاد إلى وقوعه في مشاكل وصعاب انتهت بالقضاء عليه كما يتبين لنا من ترجمة حياته
رغب ألفى بك في علم الفلك ورأى فيه لذة ومتاعاً وأحب أن يتحقق من بعض الأرصاد التي قام بها فلكيو اليونان والعرب وأن يتقدم به خطوات، لهذا بنى مرصداً في سمرقند كان