هذه الظاهرة من امتزاج نوعين من السائل: الماء النقي المتدفق من المثلجة، وماء الورد المحفوظ في الزجاجة، لا يمكن أن تحدث إلا على حساب انتشار جزيئات صغيرة من ماء الورد بين جزيئات الماء الصافي، لأنه على صغر حجم نقطة الورد أصبحت موجودة في كل مكان بين جزيئات الماء
خاطر آخر: ليس ثمة ما يمنع أن نصب ما في الكوب في حوض كبير مملوء بالماء، إننا عندئذ نشعر بعبير الورد في كل أجزائه ولو بدرجة طفيفة، هذه القطرة الأولى امتزجت في الحوض الكبير الذي نعرف فيه أثرها بعبيرها والذي بات مسرحاً للجزيئات العديدة للنقطة من الورد، تكمن هذه الجزيئات تارة وتنتقل تارة أخرى في أرجائها المترامية
ولو أن هذه النقط كانت من الحبر بدل ماء الورد لحدث ثَمَّ تعديل طفيف في لون الماء داخل هذا الحوض لا شك يعم كل أجزائه التي تميل عندئذ إلى الزرقة بانتشار الجسيمات الصلبة الصغيرة للحبر في كل أرجاء الحوض الفسيح
كذلك نرى النوعين من الزجاج الملون، كلاهما أحمر اللون ولكنهما يختلفان في درجة الإحمرار، هذا الاختلاف الشديد في ألوان الزجاج أو أقمشة الملابس هو نتيجة لاختلاف نسبة جسيمات المادة الملونة بالنسبة للمادة المراد تلوينها
كذلك من السهل معرفة مخلوط من البروم والكلوروفورم من رائحة الأخير، وإذ كان العلماء يستطيعون بعد ما سردناه من أمثلة أن يميزوا نسبة الأوكسجين والأزوت في الهواء بكل تفاصيلهما بدراسة أطيافهما، ابتداء من الأشعة تحت الحمراء إلى الأشعة فوق بنفسجية، فإن لهم في هذا طريقة في التحليل الطيفي ليست من عمل الرجل العادي، ومع ذلك فهم يصلون إلى النتيجة ذاتها التي تتلخص في أن الأوكسجين والأزوت مادتان مركبة كل منهما من جزيئات كماء المثلجة وماء الورد، بحيث إذا اعتبرنا قدراً صغيراً من الهواء الذي نستنشقه نجد فيه دائماً هذين المخلوطين بنسبة معينة هي التي يعرفها العلماء من التحليل الطيفي كما أن الورد أو الحبر امتزجا مع الماء بنسبة معينة، هيا لتي تميزها حاسة الشم أو النظر التي تقوم في هذه العملية بما تقوم به الأجهزة الدقيقة في تجارب العلماء المتقدمة
ومع ذلك فإنه من غير المعقول أن مادتين مستقلتين تندمجان أو تختلطان أو يتداخل بعضها في البعض الأخر إلا إذا فرضنا وجود جزيئات صغيرة لكل منهما وأن هذه الجزيئات