في مشاهداتنا اليومية عندما يقرع الجرس في إحدى المدارس يخرج الطلبة جميع الفرق إلى فناء المدرسة، ويختلط جميعهم بحيث يصح في كل لحظة أن ترى طالباً من فرقة معينة محاطاً بطلبة من جميع السنين الأخرى، بحيث أن في كل بقعة من فناء المدرسة يوجد طلبة من جميع الفرق تتحدث وتجري وتلعب، كل منهم مستقل بذاتيته، ولا يمنع هذا أن دقة أخرى من الجرس واتفاقاً كان نتيجة التدريب والتهذيب، يجعلان هذه الشخصيات المستقلة والجزيئات المبعثرة تتجمع مرة أخرى في صفوف منتظمة بحيث نرى بعد مرور فترة من الوقت هذه الأفراد تدخل فصولها كل على مقعده الذي كان عليه منذ أمد قصير
كذلك لا بد من أن هناك عملية طبيعية تجعلنا نفصل مرة أخرى ماء الورد من الماء وجسيمات الحبر من ماء الحوض ونزيل عن الأقمشة ألوانها ونفصل الكلوروفورم من البروم، كما أن ثمة عملية أخرى تفصل الأكسيجين من الأزوت بحيث تصبح جزيئات الأكسيجين بمفردها منفصلة في وعاء معين وجزيئات الأزوت في آخر، كما يجتمع طلبة فرقة معينة في ردهة معينة وطلبة الفرقة الأخرى في الردهة المجاورة
إنما سردت للقارئ ما تقدم ليدرك أن في مشاهداته اليومية وعملياته العادية يجد منطقاً للفكرة الذرية، بحيث أن فكرة الجزيء ووحدته هي في الواقع نتيجة فعلية أكثر من أن تكون عملاً من قبيل الفروض
على أننا سنرى فيما نتابعه أن هذا الجزيء مكون مما يسمونه الذرات، وقد كان للكيمياء الدور الأكبر في معرفتها. وسنرى أن كل ما نعرفه في الكون محصور في عناصر مختلفة لا يزيد عددها عن ٩٢ عنصراً، وأنها تبدأ من الهيدروجين أخف هذه العناصر وتنتهي بالايرانيوم أثقلها، وان الاختلاف بينها راجع إلى التركيب الذري. وسنرى بعد ذلك أن العلماء توصلوا إلى حسر الستار عن حقيقة هذه الذرات، وأنهم استطاعوا أن يضغطوها تارة (أعمال ويهدموها تارة أخرى (أعمال رذرفورد وموريس دي بروي وجوليو وفرمي وأخيراً برايش)، وأنهم في ذلك أعلنوا على المادة حرباً ضروساً لا نعرف مداها، ولا نعرف إلى أي حد يبلغ أثرها، وهم في ذلك كمن أعلن علينا حرباً شعواء مدمرة عبثت بنا نتيجة لطمع الطامعين، حرباً جالبة للأسى وقعت في أثنائها قنبلة تطايرت شظاياها في فناء