المدرسة السابقة، فدكتّها دكاًّ ومزقت الأطفال فتطايرت أشلاؤهم ظلماً وعدواناً، واختلط الأمر وعم الذعر والخراب، فلا جرس يعيد القوم إلى فصولهم ولا شخص واحد منهم نستطيع التعرف عليه. هذا التهدم المدرسي شبيه بالتهدم الذري الحادث في ذرات الجزيئات وهو يشغل بال العلماء اليوم، وسيكون موضوع أحاديث لنا في الرسالة لخطورته وأهميته ولئن كان التهدم في مثال المدرسة نتيجة الجبروت، دليلاً على الفناء، فهو في جزيئات المادة وذراتها انتصار للعلم ومفخرة للعلماء، حتى أن فريقاً منهم يفكر جدياً فيما قد يكمن وراء هذا التهدم من أسباب تمكننا من تسخير المادة تسخيراً يختلف عن تسخيرنا لها اليوم واستخدامها بطرق تختلف عن كل ما ذهبنا إليه
ونعود للجزيء الشخصية الكاملة التي تحوي قطرة واحدة من ماء الورد ملايين الملايين منه فنقول إن جزيئات الورد هذه وتلك التي هي من الماء مستقلة في ذاتها استقلالاً تاماً وإن ما يظهر لنا من أن مزيج الماء والورد أو البروم والكلوروفورم أو الأكسيجين والأزوت مندمجة جزيئاته في الآخر هو مظهر لفعل حواسنا التي لها قوة محدودة في تمييز الأشياء، وإن وجود ماء الورد في كل نقطة من الحوض الكبير أول دليل على تركيبه الحبيبي وأنه مكون من جزيئات عديدة هي التي انتشرت بين جزيئات الماء الصافي في أرجاء الحوض كما ينتشر الطلبة في أرجاء المدرسة
هذه الأمثلة ومثال المرونة في الأجسام الذي قدمناه في مقالنا السابق ترجح الفكرة الذرية للمادة، ولكن لا تقيم عليها الدليل القاطع، وهكذا وبالغم من كل ما ذكرناه ظل العلماء في حاجة قصوى إلى حجة أخرى تكون مستقاة من مصدر آخر.
إن نجاحاً كبيراً أحرزته العلوم الطبيعية للفكرة الذرية الحديثة أتى عن طريق ظاهرة أخرى. فقد تكونت بجوار الظواهر التي ذكرناها مجموعة أخرى من الظواهر تفسر الذرية وتنتصر لها؛ وهذه المجموعة تتجلى في الظواهر الخاصة بالتغييرات الحرارية، وبذلك قدمت ظاهرة الحرارة في الأجسام حجة جديدة لم يفكر فيها الذريون الأقدمون، وعلى أكتاف التقدم الحراري بالطريقة التي تمت في القرن الماضي وضع الطبيعيون للذرية أساسها الحقيقي
ولكي نفسر العلاقة بين الحرارة والذرية، نذكر للقارئ الفكرة الأساسية لهذه العلاقة: وهي