إن للوطن حقاً معلوماً في أملاك المواطن وملكاته، وإن للمواطن حقاً مشاعاً في أمجاد الوطن وخيراته. فأنا من حقي أن أقول للأمير الذي يهلك ثروتنا وسمعتنا على الفتون والمجون، وللغني الذي يخمد نهضتنا وحيويتنا بالكزازة واللؤم، وللأديب الذي يزيف أدبنا وتاريخنا باللغو والباطل، وللوزير الذي يوزع المناصب بالهوى ويقسم الأرزاق بالمحاباة، وللموظف الذي يتصرف في أشياء الدولة تصرف المالك، فسيارتها في (جراجه) وسعاتها على بابه، وأموالها في جيبه، وللعضو البرلماني الذي لا يدخل أحد المجلسين إلا ليقبض مكافأته أو يلقى أصحابه أو يتلقى بريده؛ من حقي وحقك أن نقول لهؤلاء جميعاً على التوالي: إنكم علق تعيشون على دماء الناس، وأنكاد تتلذذون بكفران النعم، وافدام تتطفلون على موائد العلم، وأوغاد تدلسون الحكم على الوطن، ولصوص تعيث أيديكم في مال الأمة، وعيال تبهظ أثقالكم عاتق الفقير؛ فحياتكم على الأرض غرور ولهو، ونسبتكم إلى الوطن زور وباطل
ذلك ما يحق لكل مصري أن يكرر قوله؛ وذلك ما يجب على كل مصري أن يتقي سماعه. ولا خوف علينا بعد اليوم من غفوة العيون وغفلة البصائر، فإن كل طابع نشتريه من طوابع الدمغة منبه عنيف الحركة في اليد، شديد الصوت في الأذن. وإنما الخوف كل الخوف على زعيم الأمة إذا ضل، وعلى أمين الخزانة إذا أسرف!