وهذه القصائد من الشرّد السائرات في الشعر العربي، وبخاصة قصيدة متمم في أخيه مالك التي كان يسميها الأصمعي أم المراثي! ولكن المتوكل لم يطرب إلى واحدة منها، فكان كلما سمع قصيدة قال ليست بشيء!
ثم قال المتوكل: من شاعركم اليوم بالبصرة؟ قال المازني: عبد الصمد بن المعذّل. قال: فأنشدني له
ولم يشأ المازني أن يُقل عليه بالشعر الجزل الرصين، فأنشده أبياتاً قالها ابن المعذل في قاضي البصرة ابن رباح:
أيا قاضية البصرة (م) ... قومي فارقصي قَطْره
ومرّي بِرَوْيسيجٍ ... فماذا البرد والفتره
أراك قد تثيرين ... عجاج القصف يا حرّه
بتجذيفك خديك ... وتجعيدك للطره
وهذا الشعر من السخف والغثاثة والثقل بمكان! والمتوكل شاعره البحتري أولى من استحق لقب شاعر على الإطلاق، فكان من المظنون ألا يطرب لهذا الشعر البارد المخشوب، ولكن من العجب أنه استطير له ومالت به النشوة كل مميل فوصل المازني بجائزة سنية!
وعرف المازني من ذلك أن المتوكل يستروح إلى الشعر المهلهل النسج، القريب الغور، من مثل المقطعات الرقيقة في الأهاجي والمجون والدعابات والإخوانيات، فكان يتكلف أن يحفظ له من ذلك الشيء الكثير، فينشده إياه إذا استدعاه، فيغمره بالخلع، ويملأ يديه بالصفراء والبيضاء! والسلطان سوق يحمل إليه ما ينفق عنده. وقد توفي المازني سنة ثمان وأربعين أو تسع وأربعين بعد المائتين عن ثروة ثمينة من التآليف الحسان في عدة فنون. نضر الله وجهه وأجزل مثوبته!