للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على مر الزمان

فلهذه الأسباب كلها ولغيرها من الأسباب وجه المستشرقون عنايتهم إلى هذه الدراسة؛ ولكن دراستهم هذه لا تزال حتى اليوم ناقصة، فيها الكثير من التشويه واللبس. وذلك راجع إلى أن تاريخ الزندقة في الإسلام موضوع غامض كل الغموض، مضطرب كأشد ما يكون الاضطراب، يشق علينا كثيراً - الآن على اقل تقدير - أن نتبينه في وضوح وان نتمثله في جلاء

فلفظ (زنديق) لفظ غامض مشترك قد أطلق على معان عدة، مختلفة فيما بينها على الرغم مما قد يجمع بينها من تشابه. فكان يطلق على من يؤمن بالمانوية ويثبت أصلين أزليين للعالم: هما النور والظلمة. ثم اتسع المعنى من بعد اتساعاً كبيراً، حتى أطلق على كل صاحب بدعة وكل ملحد. بل انتهى به الأمر أخيراً أن يطلق أيضاً على من يكون مذهبه مخالفاً لمذهب أهل السنة، أو حتى من كان يحيا حياة المجون من الشعراء والكتاب ومن إليهم. وقد كتب الأستاذ هانز هينرش شيدر فصلاً ممتعاً عن أصل هذا اللفظ واستعماله عند الكتاب غير الإسلاميين وجمع الأستاذ ماسينيون معاني اللفظ كما استعمله الكتاب الإسلاميون في البحث الذي كتبه في دائرة المعارف الإسلامية تحت مادة (زنديق) وفي كتابه عن (عذاب الحلاّج). ويظهر من هذين البحثين أن اللفظ قد اتسع معناه إلى حد لا يسمح بتحديده تحديداً دقيقاً مما يحملنا على الحذر والانتباه الشديد للمعنى المقصود به في السياق الذي نجده فيه

ثم إن المصادر التي تحدثنا عن الزندقة والزنادقة قليلة غير مأمونة. وهذه القلة إما لأن كتب الزنادقة قد فقدت كلها تقريباً، ولم يعد بين أيدينا منها إلا شذرات ضئيلة نعثر عليها بعد عناء طويل في كتب الردود، مثل هذه الشذرات التي عثر عليها الأستاذ كراوس في كتاب (المجالس المؤيدية) وهي شذرات لابن الراوندي مأخوذة من كتابه (الزمرذ) قد رد عليها داعي الدعاة مؤيد الدين الشيرازي في هذه المجالس الموسومة باسمه؛ أو لأن بعض المصادر التي تحدثنا عن الزندقة والزنادقة لا تزال مخطوطة حتى اليوم فليست في متناول يد الباحثين. وأهم المصادر من هذا النوع كتب الشيعة مثل كتاب (الاحتجاج) للطبرسي

كما أنها غير مأمونة من ناحيتين: الأولى أن الروايات المكتوبة في بعضها لم يتحر

<<  <  ج:
ص:  >  >>