للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تابعة لمزاج البدن، وأبدانهم سخيفة سريعة التغير، قليلة الصبر والجلد، وكذلك أخلاقهم يغلب عليها الاستحالة والتنقل من شيء إلى شيء، والدعة والجبن. . . ومن اجل توليد أرض مصر الجبن والشرور الدنيئة في النفس لم تسكنها الأُسد، وإذا دخلت ذلت ولم تتناسل، وكلابها اقل جرأة من كلاب غيرها من البلدان، وكذلك سائر ما فيها أضعف من نظيره في البلدان الأخر، ما خلا ما كان منها في طبعه ملاءمة لهذه الحال كالحمار والأرنب)

قول قاس أيها المؤرخ! ولو صح ما قلت لكان حكماً أبدياً صارماً، فان لنا طاقة بتغيير كل شيء إلا الجو والإقليم فماذا نصنع فيهما، لو كان صحيحاً قولك لاستوجب اليأس في الإصلاح، فما تفلح أمة ضرب عليها الذل والخضوع، بل لوجب الرحيل من بلد يسمم جوها دائماً أخلاق أهلها:

وقد قال الشاعر:

(وإذا نزلت بدار ذل فارحل)

أخشى أن تكون متأثراً بآراء شيخك ابن خلدون وقد كان في طباعه حدة وعنف، وفي المصريين دعة، فنظر إليها بطبعه الحاد نظرة فيها إفراط وفيها مبالغة - لو كانت نظريتك صحيحة لما تعاقبت الذلة والعزة على الأمة الواحدة فتعز بعد ذلة، أو تذل بعد عزة، والجو واحد والإقليم واحد - وان في تاريخ مصر نفسها صفحات بيضاء تجلى فيها العزة بأجلى مظاهرها، الحق - يا سيدي - إن الإقليم عامل، ولكن ليس كل عامل، فإذا كان الجو سماً فالتربية والتعليم ترياق، إلا ترى إلى مثلك نفسه، فقد ذكرت أن الأدوية والمركبات والمعاجين يسرع إليها الفساد في مصر لسوء الجو - لو عشت إلى عصرنا لعلمت كيف تغلب العلم على الإقليم، وصار من المستطاع في يسر وسهولة أن يحفظ الدواء - بأبسط المعالجات - في مصر كما يحفظ في أوربا وان التربية كذلك تفعل في النفس الأعاجيب، وكل ما نستطيع أن نستفيده منك انك نبهتنا أنت وأمثالك من المؤرخين على أن في مصر جبناً وفي مصر ملقاً، إلى هنا نقبله منك ولكنا لا نستسلم له، ولا نقر انه طبيعي فينا. ولكن لنريك الأمثال على خطأ تعليلك ولننبهك على نظرية ثبتت حديثاً وهي: أن الأمم المبتدية الساذجة هي اكثر استسلاماً للطبيعة وشؤونها، والأمم المتحضرة تستطيع بعلمها وتربيتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>