تتأملون هذا الإنسان العجيب، ولماذا ترضون أن يكون الجنين تلخيصاً للرقي البدني البشري، ولا يخطر في بالكم أن حياة الطفولة تلخيص هي أيضاً للرقي الروحي البشري، وأن الطفل فيها يتخلص من بعض الخصائص ويستكمل خصائص أخرى غيرها، ولماذا لا تدرسون المرحلة الأولى التي يتجلى فيها العقل عند الطفل وترون على حساب أي شيء يتجلى هذا العقل، وما الذي يستره من نفس الطفل كلما ازدهى وازدهر وساير الحياة العاقلة؟ ولماذا لا تتابعون في الطفل ائتلافه بالطبيعة لتروا كيف يضمحل هذا الائتلاف عن بعض الأطفال وكيف ينمو عن الآخرين؟ ولماذا لا تحاولون أن تفسروا ما يتاح لبعض الناس من القوة على إدراك أسرار الطبيعة بشعورهم بينما لا تتاح هذه القوة لغيرهم؟
أليس هذا كله مما يصلح للدرس؟!. . .
ثم ألا تلحظون أن الأطفال يهجمون على حقائق الحياة الطبيعية غير محاذرين ولا مشفقين لا لشيء إلا لأنهم لا يعقلون، وأنهم يقيسون الأشياء ويزنون الناس بشعورهم (لا بعقولهم) فيصدق قياسهم ويصدق حكمهم أكثر مما يصدق قياس الكبار العقلاء وحكمهم. لا لشيء إلا أن الكبار يزحمون أنفسهم بمعايير مصطنعة يقدرون بها الحقائق ويزنون بها الأشياء، وكثرة هذه المعايير واضطرابها هما اللذان يورثان أحكامهم وتصرفاتهم الغلط والشطط
لماذا لا تفكرون في هذا يا سادتنا العلماء؟ ولماذا تغفلون شعوركم وشعور الناس؟!
فأطرق الأستاذ مرة أخرى. ولكن إطراقته طالت هذه المرة ما شاء علمه وتفكيره أن تطول. . . ثم رفع رأسه وقال:
- وهل هناك من يجول في ميادين الشعور؟
فقلنا غير مفاخرين:
- نعم إنهم أهل الفنون وهم الذين يرقى شعورهم كما يرقى عقلهم فيحتفظون بتوازنهم الإنساني ولا يعطلون بإرادتهم ولا بالجشع المادي قوة يرونها تحفظ حياة الحيوان وتصونه وتهديه، فما بالك لو صاحبها العقل والتفكير السليم. . .