هذه الحركة الدائمة في الغازات والسوائل والذبذبة المستمرة في الأجسام الصلبة أصبحت من الأمور التي لا تقبل الجدل، وقد سألني بعض القراء الذين تابعوا مقالاتي هل توصل العلماء إلى رؤية حركة الجزيئات داخل الأجسام أو أنهم اعتبروا هذه الحركة موجودة لأنها حققت الكثير من الظواهر الطبيعية؟ وبعبارة أخرى، هل هذه الحركة مجرد فروض علمية أو هي حقيقة واقعة يمكن أن ترى أثرها العين؟ هل من سبيل أن نرى مثلاً حركة الجزيئات في نقطة من الماء؟
وجوابي أن هذه الحركة بين الجزيئات حقيقية يمكن أن نرى أثرها، وأنه من الأمور العادية أن تقوم داخل المخبر ببعض التجارب التي ترى خلالها أثر حركة الجزيئات داخل السوائل وتصادمها مع غيرها، وهكذا عندما ذكرنا في مقال سابق نقطة الماء على ورقة من الشجر داخل حديقة ساكنة، وقلنا أن هذه النقطة بعيدة جد البعد عن السكون وأنها مكونة من ملايين العوالم وأن كل عالم منها في حركة دائمة، كنا رأينا كغيرنا الحركة الناتجة من اصطدام هذه العوالم بعضها بالبعض وما على الذين يريدون أن يستمتعوا برؤية أثر هذه الحركة الداخلية بين الجزيئات إلا أن يمزجوا بهذه النقطة من الماء نقطة من سائل كولويدي أي مكون من الجسيمات الصغيرة المعلقة كمحلول البرمنجانات أو الحبر ويفحصوا المخلوط الجديد تحت الألتراميكروسكوب. إن هذه الجسيمات الغريبة من البرمنجانات أو الحبر تقع بين ملايين العوالم المكونة لنقطة الماء، تلك العوالم التي تتحرك دائماً حركة لا يؤثر عليها سكون الحديقة ولا يغير فيها تعاقب الليل والنهار، وهي بهذا تصطدم مع الجسيمات الداخلة بينها والتي نرى حركتها بشكل واضح
أذكر يوماً تقدمت فيه للأستاذ كوتون رئيس المجمع العلمي الفرنسي لأقوم بأبحاث طبيعية في مخبره بالسوربون. قدمني الأستاذ الكبير لزميله موتون واقترحا عليّ في ذلك الحين أن أستغل قليلاً ببعض العمليات الألتراميكروسكوبية، وهكذا ظللت أعمل بضعة أيام بذلك الألتراميكروسكوب التاريخي الذي كان من اكتشافهما. كل من يطالع اليوم التاريخ المجيد الذي حازته العلوم الطبيعية في القرن الحالي يعلم أن في أوائل هذا القرن نشر الشابان كوتون وموتون طريقتهما الجديدة في رؤية الأشياء الصغيرة التي لا يراها الميكروسكوب