للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(الروض العاطر الأنفاس في التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس). وقد افتتحها بعد الديباجة بقصيدة رائعة هذا مطلعها:

مولى الملوك ملوك العرب والعجم ... رعياً لما مثله يرعى من الذمم

بك استجرنا ونعم الجار أنت ... لمن جار الزمان عليه جور منتقم

حتى غدا ملكه بالرغم مستلب ... وافظع الخطب ما يأتي على الرغم

حكم من الله حتم لا مرد له ... وهل مرد لحكم منه منحتم

كنا ملوكاً لنا في أرضنا دول ... نمنا بها تحت أفنان من النعم

فأيقظتنا سهام للردى صبت ... يرمي بأفجع حتف من بهن رمى

فلا تنم تحت ظل الملك نومتنا ... وأي ملك بظل الملك لم ينم

وهي طويلة جدا، يمتدح فيها ملوك فاس وشيد بعلائقهم القديمة مع بني الأحمر: ويشير أبو عبد الله بعد ذلك إلى حوادث الأندلس، ويعتذر عن نكبته؛ ويعترف بخطاه. زمن قوله في ذلك: (اللهم لا بريء فأعتذر، ولا قوي فأنتصر، ولكني مستقيل، مستنيل، مستغيث، مستغفر؛ وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) بيد أنه يدفع عن نفسه تهم الزيغ والتفريط والخيانة بشدة، ويقول: (ولقد عرض علينا صاحب قشتالة مواضع معتبرة خير فيها، وأعطى من أمانه المؤكد فيه خطه بإيمانه، ما يقنع النفوس ويكفيها؛ فلم نر ونحن من سلالة الأحمر مجاورة الصفر، ولا يسوغ لنا الإيمان الإقامة بين ظهرانيالكفر، ما وجدناه على ذلك مندوحة ولو شاسعة) ثم يرثي ملكه بعبارات مؤثرة منها: (ثم عزاء حسناً وصبراً جميلاً، عن أرض ورثها من شاء من عباده معقباً لهم ومديلاً، وسادلاً عليهم من ستور الإملاء الطويلة سدولاً، سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا. فليطر الطائر الوسواس المرفرف مطيراً كان ذلك في الكتاب مسطوراً. لم يستطع غير مورده صدوراً. وكان أمر الله قدراً مقدوراً).

واستقر أبو عبد الله في فاس في ظل بني وطاس، وشيد بها قصوراً على طراز الأندلس رآها وتجول فيها المقري مؤرخ الأندلس بعد ذلك بنحو قرن (١٠٣٧هـ - ١٦٢٨م)، وقضى أعواماً طوالاً في غمر الحسرات والذكريات المفجعة، وتوفي سنة ٩٤٠هـ (١٥٣٤م). ودفن بفاس، وترك ولدين هما يوسف وأحمد، واستمر عقبه متصلاً معروفاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>