للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

النصارى فيه غرناطة، غادر أبو عبد الله قصره وموطن عزه ومجد إلى آبائه الأبد؛ وخرج للقاء عدوه الظافر في سرية من الفرسان والخاصة، فاستقبله فرديناند في محلته على ضفة شنيل. وتصف الرواية هذا المنظر المؤثر فتقول إن أبا عبد الله حين رأى فرديناند، هم بترك جواده، ولكن فرديناند بادر بمنعه وعانقه بعطف ورعاية؛ ثم قدم إليه أبو عبد الله مفاتيح الحمراء قائلا: (إن هذه المفاتيح هي الأثر الأخير لدولة العرب في إسبانيا. وقد أصبحت أيها الملك سيد تراثنا وديارنا وأشخاصنا. هكذا قضى الله، فكن في ظفرك رحيماً عادلاً). وسار أبو عبد الله بعد ذلك صحبة فرديناند إلى حيث كانت الملكة إيزابيلا , فقدم إليها تحياته وخضوعه، ثم انحدر إلى طريق البشرات ليلحق بأسرته وخاصته.

وهنا تقول الرواية إن أبا عبد الله اشرف أثناء مسيره في شعب تل البذول (بادول) على منظر غرناطة فوقف يسرح بصره لآخر مرة في هاتيك الربوع العزيزة التي ترعرع فيها، وشهدت مواطن عزه وسلطانه؛ فانهمر في الحال دمعه وأجهش بالبكاء، فصاحت به أمه عائشة: (أجل فلتبك كالنساء ما لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال). وتعرف الرواية الإسبانية تلك الأكمة التي كانت مسرحاً لذلك المنظر المحزن باسم شعري مؤثر هو: (زفرة العربي الأخيرة) وما تزال قائمة حتى اليوم يعينها سكان تلك المنطقة للسائح المتجول.

ثم تقول الرواية أيضاً إن باب غرناطة الذي خرج منه أبو عبد الله لآخر مرة قد سد عقب خروجه برجاء منه إلى ملك قشتالة وبني مكانه حتى لا يجوزه من بعده إنسان.

لم يطل مكث أبي عبد الله بمقره الجديد في اندرش، ولم تمض اشهر قلائل حتى أدرك كما أدرك عمه من قبل انه يستحيل عليه البقاء في هذا الوضع الشاذ كعامل لملك قشتالة، وكان فردنياند من جانبه ينظر إلى وجوده بعين الريب ويخشى مثار الفتنة؛ فعول أبو عبد الله ان يحذو حذو عمه في الجواز إلى أفريقية، ونزل لفرديناند عن حقوقه نظير مبلغ كبير، ثم جاز بأسرته وماله ومتاعه من ثغر المرية إلى المغرب الأقصى في سفن أعدت له (١٤٩٣م) ونزل أولاً بمليلة، ثم قصد إلى فاس واستقر بها، وتقدم إلى ملكها السلطان محمد شيخ بني وطاس الذين خلفوا بني مرين في الملك، مستجيراً به، مستظلاً بلوائه ورعايته، معتذراً عما أصاب الإسلام في الأندلس على يده، متبرئاً مما نسب إليه، وذلك في كتاب طويل مؤثر كتبه عن لسان كاتبه ووزيره محمد بن عبد الله العربي العقيلي، وسماه

<<  <  ج:
ص:  >  >>