للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لو كان أحمد أمين من المطلعين على تاريخ الأدب العربي لعرف أن أدباء العرب فهموا أن فن المقامات ليس إلا وسيلة للتعبير عن طوائف من الأغراض، ومن أجل ذلك تصرفوا فيه فنقلوه من ميدان إلى ميادين، وحملّوه ما شاءوا من المذاهب والآراء

وما فهمه أدباء العرب فهمه أدباء الفرس حين اتخذوا المقامات وسيلة لشرح المذاهب الدينية والفلسفية، وعرض الصور الفنية والأدبية، وكذلك فعل بعض اليهود وبعض السريان فضمنوا المقامات طوائف من العضات والأخلاق

ثم ماذا؟ ثم ماذا؟

ثم يقول الأستاذ أحمد أمين:

(وانتشر بجانب أدب المقامات نوع آخر من أدب المعدة بمعناه الحقيقي هو أدب التطفيل. . . وخلف لنا الأدب وصيتين طويلتين يوصي بهما نقيب الطفيليين ولي عهده: إحداهما من إنشاء أبي اسحق إبراهيم بن هلال الصابي الأديب المعروف، والثانية من إنشاء المولى تاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد اليماني)

ذلك ما قال أحمد أمين، وهو بما قال رهين

فهل يفهم هذا الرجل أن الصابي كان يجّد حين أنشأ تلك الوصية؟

لو كان أحمد أمين قرأ كتاب النثر الفني لرأى المؤلف يقول:

(ومن أظرف ما كتب على طريق الهزل والفكاهة (عهد التطفل) وهو عهد أنشأه أبو اسحق الصابي على لسان طفيلي اسمه (عليكا) كان يقع على مائدة معين الدولة بن بويه، والطريف في هذا العهد أنه يجري على نمط العهود السلطانية فيبدأ بعرض خصائص العهود إليه، ثم يعيّن المهمات التي كُتب من أجلها العهد)

إن الأدب هو (نقد الحياة) كما يقول الإفرنج، فهل يكون من الفضول في (نقد الحياة) أن يعمد كاتب مثل الصابي إلى السخرية من طائفة طفيلية كانت تعيش على هامش المجتمع في القرن الرابع؟

وهل يطلب من الكاتب أن يغفل وصف الطفيليين لئلا يقال إن أدبه أدب معدة؟

وما قيمة الأدب إن سكت عن وصف عيوب المجتمع؟

إن العصر العباسي هو من العصور التي اشتبكت فيها النوازع الإنسانية فكثر فيه الجدل

<<  <  ج:
ص:  >  >>