وإنما يعنينا هنا أن نقول عنه شيئاً يتصل بزندقته فنقول إنه كان كما يقول البغدادي مانوياً يؤمن بالتناسخ ويميل إلى مذهب الرافضة ويقول بالقدر. ويتخذ من شرح سيرة ماني وسيلة للدعوة وتشكيك الناس في عقائدهم ويتحدث في التعديل والتحوير، كما ذكر البيروني في كتاب (الهند)
ولكن أظهر شخصية في هؤلاء المتكلمين الزنادقة بعد شخصية ابن الراوندي (الذي نؤجل الحديث عنه إلى أن نفرد له فصلاً خاصاً إن كان هناك ثم مجال)، هي شخصية أبي عيسى الوراق وقد كان هو أيضاً أستاذاً لابن الراوندي
كان أبو عيسى الوراق معتزلياً في البدء ولكن المعتزلة طردته لآراء له ذكرها خصومه ولسنا نعرف مبلغ صحتها على وجه التحقيق فيذكرون عنه أنه كان شيعياً رافضياً، ويقول عنه الخياط إنه كان مانوياً يقول بأزلية المبدأين (النور والظلمة) ويعتقد في خلود الأجسام؛ والخياط معتزلي فهو خصم لأبي عيسى. ومن هنا لا نستطيع أن نؤكد تماماً أنه كان مانوياً. ولذلك فإن الأستاذ ماسينيون يميل إلى وصفه بالناقد المستقل الفكر)
وهنا ننتهي من الكلام عن الطائفة الثانية وننتقل إلى الطائفة الثالثة ونعني بها طائفة الأدباء والشعراء
وأول هؤلاء وأشهرهم من غير شك بشار بن برد، ولكنا لا نستطيع هنا أن نفصل القول في زندقة بشار، ويكفينا الآن أن نقول إن نزعة الشعوبية عند بشار كانت أكبر دافع له على الزندقة كما كان للعبث والمجون الذي طبع عليه بشار، وروح التشاؤم والسخرية من الناس أثر في هذه الزندقة غير منكور.
وهنا نلاحظ بإزاء بشار ما لاحظناه من قبل عند الكلام عن ابن أبي العوجاء وأبي عيسى الوراق من أن الاتهام بالزندقة كان يسير جنباً إلى جنب مع الانتساب إلى مذهب الرافضة كما لاحظ الأستاذ فيدا بحق، ومن هنا كان الشك في معنى هذه الزندقة التي تنسب إلى بشار؛ ولذلك يميل الأستاذ فيدا إلى أن يرى في بشار شاكاً من الشكاك فحسب
ولكن زندقة خصم بشار، ونعني به حماد عجرد، أظهر بكثير من زندقة بشار. وعلى الرغم من أنه لا يمكن القطع بشيء فيما يتصل بعلاقته بالمانوية إلا أنه يمكن اعتباره ممن كانت لهم نزعة مانوية واضحة، خصوصاً إذا لاحظنا أن شعره وقصائده كان يتغنى بها في دوائر