هل يَنهينَّك أن قتلن مُرقَّشاً ... أو ما فعلن بعُروة بن حِزَامِ
ذُمَّ المنازلّ بعد منزلة الِّلوى ... والعيش بعد أولئك الأيام
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام
فإن كان ولا بد فهذا. فأذن له، فخرجت إليه فقلت: أدخل أبا حزرة، فدخل وهو يقول:
إن الذي بعث النبيَّ محمداً ... جعل الخلافة في إمام عادلِ
وَسِعَ الخلائقَ عدلُهُ ووفاؤه ... حتى أرعوي وأقام مَيلَ المائل
والله أنزل في القرآن فضيلةً ... لابن السبيل وللفقير العائل
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً ... والنفسُ مولعةٌ بحب العاجل
فلما مثل بين يديه قال: اتق الله يا جرير، ولا تقل إلا حقاً، فأنشأ يقول:
كم باليمامة من شعثاَء أرملةٍ ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
من يَعُدُّك تكفي فَقْدَ والده ... كالفرخ في العيش لم ينهض ولم يطر
يدعوك دعوةَ ملهوف كأنَّ به ... خبْلاً من الجن أو مساً من البشر
خليفةَ الله ماذا تأمرَنَّ بنا ... لسنا إليكم ولا في دار مُنْتَظَر
ما زلتُ بعدك في هّمٍ يؤَرِّقُنِي ... قد طال في الحيِّ إصعادِي ومنحَدَري
لا ينفع الحاضرُ المجهودُ بادِيَنَا ... ولا يعود لنا بادٍ على حَضَر
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
أتى الخلافة إذ كانت له قَدَراً ... كما أتى رَّبُه موسى على قدر
هذى الأرامل قد قَّضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
فقال: يا جرير، والله لقد وليت هذا الأمر وما أملك إلا ثلاثمائة درهم، فمائة أخذها عبد الله، ومائة أخذتها أم عبد الله؛ يا غلام، أعطه المائة الباقية. فقال: يا أمير المؤمنين، إنها لأحب مال كسبته إلى. ثم خرج، فقالوا له: ما وراءك؟ قال: مايسوؤكم، خرجت من عند أمير المؤمنين يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني عنه لراض. ثم أنشأ يقول:
رأيتُ رُقَي الشيطان لا يستفزُّه ... وقد كان شيطاني من الجن رَاقيَا
ولا شك أن وجهة عمر رضي الله عنه ظاهرة في منع ابن أبي ربيعة لأنه كان لا يتورع في شعره عن التشبيب بالنساء من يعرفها ومن لا يعرفها، ويتعرض للمحصنات المتعففات