للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويترقب خروجهن للطواف والسعي، ويصفهن وهن محرمات حتى صرن يخفن الخروج إلى الحج. وقد نفاه عمر بسبب هذا إلى دهلك، وهي جزيرة ببحر القلزم أمام مدينة مصوع. أما أبياته المذكورة فهي وإن كانت محمولة على المبالغة لا تليق برجل يحافظ على أمور دينه لأن فيها شيئا من الاستهتار بعذاب الله، وما كان لمثل عمر رضي الله عنه أن يقبل هذا منه وأن تنسيه رقته الشعرية ناحيته الدينية، كما أنست قبله عمه عبد الملك بن مروان وقد اجتمع ببابه ابن أبي ربيعة وكُثير عزّة وجميل بثينة، فقال لهم: أنشدوني أرق ما قلتم في الغواني، فأنشده جميل:

حلفتُ يميناً يا بُثَيْنَةُ صادقاً ... فإن كنت فيها كاذباً فَعمِيتُ

إذا كان جلدٌ غير جلدكَ مسنَّي ... وباشرني دون الشِّعار شَرِيت

ولو أن راقِي الموت يَرْقِي جنازتي ... بمنطقها في الناطقين حييت

وأنشد كُثير:

بأبي وأمِّي أنتِ من مظلومة ... طَبِنَ العدوُّ لها فغيَّر حالَها

لو أن عَزَّةَ خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند مُوَفّق لقضى لها

وسعى إلىَّ بصَرْمِ عزة نسوةٌ ... جعل المليك خدودهن نعالها

وأنشد ابن أبي ربيعة:

ألا ليت قبري يوم تُقضى منيَّتي ... بتلك التي من بين عينيك والفم

وليت طَهوري كان ريقك كله ... وليت حنوطي من مشاشك والدم

ألا ليت أم الفضل كانت قرينتي ... هنا أو هنا في جنة أو جهنم

فقال عبد الملك لحاجبه: أعط كل واحد منهم ألفين، وأعط صاحب جهنم عشرة آلاف

وكذلك الأمر في منع عمر رضي الله عنه الأحوص والفرزدق والأخطل من الدخول عليه، فأما جميل وكثير فالأمر في منعهما غير ظاهر، لأنهما كانا من أصحاب ذلك الحب العذري السابق، ولم يكونا مثل ابن أبي ربيعة والأحوص والفرزدق والأخطل، وإن كان في بيت كثير ما يمكن أن يؤخذ عليه من الناحية الدينية ولكنها مؤاخذة ضعيفة لا يلتفت إليها، لأنه أسند السجود لعزة إلى أولئك الرهبان، وهم يدينون بعبادة الأيقونات والتماثيل، فلو أنهم سجدوا لعزة إذا رأوها لكان لهم في هذا شأنهم، ونحن لا نسأل في ديننا عن شأن غيرنا،

<<  <  ج:
ص:  >  >>