وعولنا في ذلك على الوسيلة الباقية لدينا وهي مراجعة ما كتب عن آثار الجزيرة وتتبع ما وقع في أسمائها من التغيير جيلاً بعد جيل إلى زماننا هذا رجاء ان نرى في الباقي منها ما له صلة بهذا المتنزه تهدينا إليه. ولابد لنا في الوصول إلى ذلك من قطع المراحل الثلاث الآتية.
المرحلة الأولى
كان أول ما تنبهنا إليه في هذا البحث أننا تذكرنا رباطاً يسمى برباط المشتهى مر بنا اسمه أثناء المطالعة فقلنا إن ظهر أنه بالروضة فلا ريب في أنه لم يشتهر بذلك إلا لكونه بنى في موضع من هذا المتنزه وقد تكون له بقية تهدينا إلى موضعه. ثم بادرنا إلى خطط المقريزي فرأيناه يقول عنه (رباط المشتهى. هذا الرباط بروضة مصر مطل على النيل وكان به الشيخ الملك بهاء الدين الكازوني ولله در شيخنا العارف الأديب شهاب الدين أحمد بن أبي العباس الشاطر الدمنهوري حيث يقول:
بروضة المقياس صوفية ... هم منية الخاطر والمشتهى
لهم على البحر أياد علت ... وشيخهم ذاك له المنتهى
ثم رأينا السيوطي ذكره في كوكب الروضة فنقل هذه العبارة عن الخطط، ونقل عن تاريخ المقريزي (أي المسمى بالسلوك) أن بهاء الدين الكازروني المذكور توفي بهذا الرباط ليلة الأحد الخامس من ذي الحجة سنة ٧٧٤هـ ثم نقل ترجمته عن إنباء الغمر للحافظ ابن حجر ونصها (محمد بن عبد الله الكازروني الشيخ بهاء الدين قدم مصر فصحب الشيخ أحمد الحريري صاحب الشيخ ياقوت الحبشي تلميذ أبي العباس المرسي وانقطع بعده بالمشتهى من الروضة وكان الناس يترددون إليه ويعتقدونه، وكان الشيخ أكمل الدين شيخ الشيخونية كثير التعظيم له، واقطع إليه البدر البشتكي وكتب له أشياء من تصانيف الشيخ محي الدين بن العربي، وكان يكثر الثناء عليه، وكانت وفاته في ذي الحجة، وأرخه ابن دقماق ليلة الأحد خامس ذي القعدة) انتهى. قلنا وقد وقفنا على ترجمته أيضاً في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة للحافظ بن حجر المذكور فرأيناه أرخ وفاته بسنة ٧٧٣ أي بنقصان سنة واحدة عن قول المقريزي.
ولم يزل لهذا الرباط بقية إلى اليوم، وذكره علي مبارك باشا في موضعين من خططه