ولكن الذي يحتاج إليه الشاعر المعاصر هو الناقد النزيه.
ولقد وجدت بحمد الله هذا الناقد فسأذكر تاريخ شعرائنا وشعراء الأقطار العربية مشفوعاً بتاريخ ناقده وبنقده إياه. ومشفوعاً كذلك بتاريخ الموسيقار الذي لحن له.
عود إلى حياة الدكتور ناجي
هو طبيب متأثر بالثقافتين الإنكليزية والفرنسية عصبي المزاج ثائر الأعصاب مرهف الحس يكلمك فيهتز جسمه كله حماسة وشدة اقتناع
قضت حرفته بأن يكافح الموت في كل مريض وهو واسع الرجاء واسع الأمل. فرسالته في الأدب لا يمكن أن تكون كرسالة أدباء الهند في العصر الحاضر رسالة إذعان وتسليم. وعلى رغم الأمل والرجاء المستفادين من حرفة الطب فلا يستطيع أن يخلص من أثر المشاهدة للمريض والمكافحة للمرض. وإذا كان السيد يحاكي المسود كما يقول الاجتماعيون فشعر الدكتور ناجي في ساعة إخلاده إلى نفسه واستجماعه ألوان تأثره - شعره هذا يحاكي أنين مرضاه وتوجعهم
نوع الشعور الذي يبشر به هذا الطبيب الشاعر هو التفريج عن الهم بالتعبير عنه
لذلك يعنيه صدق التعبير وهو من أدق الشعراء المعاصرين إبرازاً للفكرة محدودة بحدودها في تصوره، فليس في شرح شعره مجال للتأويل وليس فيه شيء من الغموض. ولكن مجال الحياة التي ينظر إليها وينقدها مجال شديد الضيق؛ وفي نفس ناجي ثورة مكبوتة منشؤها أنه لم يقل كل ما يريد أن يقول. فهو مع أمانته في الإفضاء عما شعر به فيما قال لا يزال يختزن الكثير من التجاريب والمشاعر وبمنعه حرصه على صدق الأداء أن يقول اللفظ حائماً حول معناه أو قريباً منه أو شبيهاً به فيفرج عن نفسه بوسيلة ما بالتعبير عنها. وسيظل هذا الكبت ما دام محترفاً الطب التي تشغل الوقت كله والفكر كله، ولكنها لا تشغل كل المشاعر
هذا ما يقوله ناقده عنه وناقده هو الدكتور زكي مبارك فإن لم يكنه فقد كان الواجب أن يكونه