للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكن الدولتين كانتا تحاربان المجلس فحسب مهما بلغ من اعتداله وحكمته. كانتا تحاربانه، فتحاربان فيه الوطنية المصرية والقومية المصرية، لأنهما إن نمتا وازدادتا قوة، ضاعت الفرصة، وخرجت مصر سالمة مما كان يدبر لها! أنظر إلى الاحتجاج الذي كتبه المراقبان الأجنبيان في ١٢ يناير سنة ١٨٨٢ عندما علما نية النواب في وزارة شريف، قالا: (يظهر أن مجلس شورى النواب يتهيأ لأن يطلب حق تقرير الميزانية، ولهذا نرى من واجبنا أن نقول: إن إعطاء النواب هذا الحق ولو اقتصر على الإدارات والمصالح التي لم تخصص إيراداتها للدين يفسد الضمانات المعطاة للدائنين. لأنه سيكون من نتائجه الضرورية أن تنتقل إدارة البلاد من يد مجلس النظار إلى يد مجلس النواب).

ولا تسل عن مبلغ غضب هؤلاء الطامعين الكائدين لمصر من وزارة البارودي حينما حلت المشكلة على النحو المتواضع الذي بيناه، فلقد انطلقت ألسن الساسة منهم مع ألسن السفهاء من مراسلي الصحف بكل فاحشة وجارحة في الوزارة والنواب جميعاً على نحو خليق بأن تخجل منه الإنسانية. فهذا نظام موضوع بأسره تحت سيطرة جيش ثائر كما صوره كلفن في تقاريره؛ وهذه وزارة جامحة تسوق مصر إلى الخراب، وهؤلاء نواب لا يعرفون من معاني الوطنية إلا التعصب الأعمى فضلاً عن جهلهم وضيق عقولهم.

كتب ماليت يصف النواب: (إن ما يتظاهرون به من طموح إلى العدل والحرية قد انتهى بأن حلت سلطة الجيش الغاشمة محل كل سلطة مشروعة).

وقال كوكسن يصف قانون الانتخاب الذي وضعته الوزارة السامية: (إن الغرض منه في هذا البلد أن تكون كل المزايا الانتخابية لمن رشحتهم السلطة الحاكمة، والسلطة الحاكمة الآن هي سلطة الجيش).

وأوعز ماليت إلى وكلائه في الأقاليم أن يكتبوا تقارير عن مبلغ ما وصلت إليه الحل من سوء في البلاد، وأرسل تلك التقرير إلى حكومته، وبلغ من الجرأة على الحق، بل بلغ من صفاقة أحد هؤلاء الطامعين لتغلب الجشع الاستعماري على لبه أن يكتب يندد بإلغاء الكرباج. فقال وما أعجب ما قال: (إن الحاكم الشرقي إذا حرم كرباجه، وحظر عليه أن يسجن من يشاء عجز عن سياسة قوم اعتادوا منذ القدم أن يخضعوا لحكومة فردية قوية. إن الطريق الذي سارت فيه الحركة منذ عام، جعل الفلاح يعتقد أنه يستطيع الوصول طفرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>