في جوانحه تعجز اللغة عن حشده وجمعه وإنشاده كلاماً ولفظاً، ولم يكن يحس شيئاً أهنأ من هذا الغموض البنفسجي الشفاف، فاستسلم له يداعبه ويناغيه متلمساً إفصاحه ودعوته
٥ - دعوة الحب
كان الجمال يستهويه فيستقصيه في مجال السمع ومجال البصر ومجال الحس ومجال الوعي. فكان يتردد على رياض الجمال ما يغفل روضة، وكان يتعطف على معارج الحسن يُسري به فيها فيلمس من أسراره مالا يراه غيره، فكانت له عند كل جميل وقفة
والتقى هذا المستعشق في جولة من جولاته بتمثال رصد فيه فنان حساس لمعة من لمعات روح نفرتيتي فلم يملك إلا أن يسكن أمام التمثال وقد اختبل حسه وتذبذب بين نزعة الرقص للفنان والسجود لنفرتيتي ومبدع نفرتيتي
رآها أنثى قائدة موجهة فوقف بين يديها وقفة مرن عليها في الجيش. . . وسمعها تسأله:
- وماذا تريد أن تصنع؟
فقال: لا أدري
فعادت وسألته: ألست تحس شيئاً؟
فأجابها: إني أحس
فأمرته: أن لبّ نداء حسك
وسكتت، وشعر بها وكأنها تنصرف عنه أو تنخطف من تمثالها فاستأذن وانفرد
٦ - في الوحدة
راح يقول لنفسه:
- أما أنها حدثتني وأني حدثتها، فقد حدثتني وحدثتها، وأما أن هذا المعروض للناس تمثال، فإنه تمثال لم يحدث أحداً ولم يحدثه أحد. فلا بد أنه تعرفني، ولا بد أنه اختارتني من بين زوارها، ولعلها تسللت من وطنها المستحي لتلقاني دون غيري، (هي) قطعت إليّ آفاقاً وآباداً فكيف أغفل عنها و (هي) تنتقل بين أعطاف الوجود باحثة عني. لابد أنها المكتوبة لي. . .
وإلا فما لي لم تعجبني امرأة. . . وما لي قد آمنت قسراً عني أنه لن تعجبني بعدها امرأة؟!