تلك لمحة عاجلة عن حياة الأستاذ الفقيد فيا عظة وحكمة
لم يكن للأستاذ فليكس أن يكبح جمحات نفسه، بعد إذ لمس الإخفاق في وطنه الأول، وهو قد هبط وطنه الثاني شعلة من نشاط تتقد، فاندفع يتعرف على جماعة من أدباء هذا المصر. . . ثم قرأ للأستاذ الزيات - أطال الله عمره - وجمع أعداد (الرسالة) لا تفوته فيها شاردة ولا واردة؛ وعكف دراسة أدب الرافعي - رحمه الله - حين استهوته مقالاته في (الرسالة)؛ وترجم له مقالته (رؤيا في السماء) إلى الفرنسية وعلق عليها، ونشرها هي والتعليق في غير واحدة من الجرائد الفرنسية، وأعجب بعاهلي الأدب العربي الحديث وتمنى لو رآهما
وفي صيف سنة ١٩٣٦ تعرف إلى الأستاذ الرافعي - رحمه الله - وطلب إليه أن يزوره في داره في كامب سيزار برمل الإسكندرية فلبى الدعوة وأنا برفقته. . . فألفيت رجلاً هادئ الطبع، طلق المحيا، كريم الخلق، جميل الصحبة. وكان وجهه - ونحن في داره - يتهلل بشراً وسروراً. . . وهكذا ابتدأت أول وشيجة بينه وبين أسرة (الرسالة) الغراء، ومضت أيام فإذا صوت صرير قلمه يرن على صفحات (الرسالة)
ثم انطلق يتلمس الطريق إلى الأستاذ الزيات ويستزيره في إلحاح. وفي صيف سنة ١٩٣٧ دخل الأستاذ الزيات دار صاحبه فليكس - لأول مرة - وأنا إلى جانبه. يا عجبا. يا عجبا! إنني أرى صاحب الدار يهتز من فرط الفرح كأنه يلاقي حبيباً طال اغترابه؛ وإنه ليتراءى لي أنه يهم أن يضم الأستاذ الزيات إليه لولا هيبته. وتقدمت الأيام وفي قلب كل منا لصاحبه المحبة والإخلاص والوفاء
عرفنا الأستاذ فليكس فعرفنا فيه الأديب الفذ والشاعر الرقيق، وفقدناه ففقدنا فيه الأخ الوفي والصديق الصادق