وأبيضّ من شرب المُدامة وجهُه ... فبياضُه يوم الحساب سواد
لا يُعْجبنّك بَزّه ولسانُه ... إن المجوسَ يُرَى لها أسباد
وقد نشأ حماد في العهد الأموي سنة خمس وتسعين هجرية، وكان أثيراً لدى خلفاء بني مروان، يستزيرونه فيفد عليهم ليحدثهم عن أيام العرب وأخبارها وينشدهم أشعارها، فيظهرون إعجابهم به وينفحونه بالأعطيات السنية
وقد خفّ على قلب يزيد بن عبد الملك منهم فانقطع إليه واختص به ونادمه، فحصّل منه دنُيا عريضة وعاش في حال رافهة
ولكن هذه النعمة السابغة كادت تحوُل جائحة مستطيلة لولا ما قُدَّر له من طول السلامة! فقد كان بين راعيه يزيد وأخيه هشام جفوة شديدة مردها إلى أنهما من أبناء العلاَّت، فأم يزيد عاتكة بنت يزيد بن معاوية الأموية، وأم هشام عائشة بنت إسماعيل المخزومية، وأهم من ذلك أن يزيد كان يريد أن يبايع لابنه الوليد القاصر، فصرفه أخوه مسلمة بلباقة وكياسة إلى مبايعة أخيه هشام الراشد، ولكن يزيد ندم بعد أن تم الأمر، فاستشرت العداوة بين الخليفة وولي عهده حتى اضطر هشام أن يعيش خارج دمشق، وتبع ذلك أن حقد على حاشية أخيه وبطانته، ومنهم حماد زينة البلاط ونجمه اللامع!.
فلما آلت الخلافة إلى هشام خافه حماد على نفسه خوفاً شديداً فانزوى في كسر بيته مدة عام في خلالها - إذا ضاق صدره - ينسل في سر من الناس إلى الثقات من إخوانه خائفاً يترقب؟ ولما انقضت هذه الفترة ولم يتوجه إليه طلب، ظن أنه قد بلغ مأمنه، فبرز من مخبئه وصلى الجمعة في الرُّصافة، ولم يقنع بذلك حتى جلس عند باب الفيل، وإذا شرطيان كأنما نبعا من الأرض قد وقفا عليه وقالا: يا حماد، أجب الأمير يوسف ابن عمر (والي العراق) فانخلع قلب حماد من الرعب، وقرع سِنّ الندم على خروجه، وتوسل إليهما أن يستأنياه حتى يأتي أهله فيوصي بهم وإليهم، ثم يصير معهما إلى حيث يريدان، فأجاباه في خشونة الزبانية: ما إلى ذلك من سبيل! وأخذا بعضديه، فاستبسل للموت واستقاد لهما حتى بلغا به الأمير وهو جالس في الإيوان الأحمر، فسلم عليه حماد بصوت مصحول فكان رد