للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صحيحة فليسمعها من المفضل

وقد كان السبب أن المهدي قال للمفضل - لما دعا به وحده -

إني رأيت زهير بن أبي سُلمى افتتح قصيدته بأن قال:

دع ذا، وعدِّ القولَ في هَرِم ... خير البُداة وسيد الحَضْر

ولم يتقدم له قبل ذلك قول، فما الذي أمر نفسه بتركه؟ فقال المفضل: ما سمعت يا أمير المؤمنين في هذا شيئاً، إلا أني توهمته كان يفكر في قول يقوله، أو يُروَّى في أن يقول شعراً فعدل عنه إلى مدح هرم وقال: دع ذا. أو كان يفكر في شيء من شأنه فتركه وقال: دع ذا. أي دع ما أنت فيه من الفكر وعد القول في هرم. فأمسك عنه المهدي ودعا بحماد فسأله في ذلك. فقال: ليس هكذا قال زهير يا أمير المؤمنين. قال: فكيف قال؟ فأنشده:

لَمِن الديارُ بقُنَّة الحِجْر؟ ... أقْويْنُ مُذْ حِجَج ومذ دَهْر

لعب الزمان بها وغيّرَها ... بعدي سوَافي المُور والقطر

دع ذا. . . الخ

فأطرق المهدي ساعة ثم أقبل عليه فقال: قد بلغ أمير المؤمنين عنك خبر لا بد من استحلافك عليه! ثم استحلفه بأيْمان البيْعة - وكل يمين مُحْرجة - ليَصْدقَنَّه عن كل ما يسأله عنه. فحلف بما توثق منه. فقال له: اصدقني عن حال هذه الأبيات ومن أضافها إلى زهير. فأقرّ له أنه قائلها. فأمر فيه وفي المفضل بما أمر به من شهرة أمرهما وكشفه

هذا الضعف الخُلُقي الذي عُرِف به حماد هو ما حدا الأصمعي أن يقول فيه: كان حماد أعلم الناس إذا نصح (يعني إذا لم يزد وينقص) وكذلك قال فيه المفضل الضبي: قد سُلَط على الشعر من حماد الرواية ما أفسده فلا يصلح بعده أبدا! فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطئ في الرواية أم يَلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردون من أخطأ إلى الصواب، ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يُشَبه به مذهب رجل ويدخله في شعره، ويُحمَلُ عنه ذلك في الآفاق، فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، وأين ذلك؟)

وقد هجا حماداً أحمد بن يحيى هجاء طريفاً يمكننا أن نقف منه على شكله وهيئته وزيه ورأى الناس فيه. قال:

<<  <  ج:
ص:  >  >>