ما أعجب هذه النفس التي عرضها هوجو في بؤسائه. نفس أصابتها العقد - على حد تعبير العلماء - فأصبحت تتحجر دون الرحمة لأنها كانت تخشى ألا يرحمها أحد، كما لم يرحمها أب ولا أم وهذه نفس قد يحللها فرويد، وقد يحللها سبيرمان أو غيرهما من علماء النفس ولكن تحليلهما وتحليل غيرهما ليسجد أمام هذا الجلال الذي أسبله عليها هوجو الفنان الذي لم يقرأ علم النفس ولا نظريات علم النفس، والذي كان يعيش بروحه فيحس ويشعر، والذي لو لم يكن أديباً بطبعه لما أنشأها هذا الإنشاء الرائع، والذي لو كان موسيقياً لأرسلها باكياً
الفنون يا أصحاب الفنون يمكن أن يترجم بعضها إلى بعض، لأنها لا تكون فنوناً إلا إذا كانت من وحي العواطف، والعواطف لا تستعصي على أي فن. فما هي العواطف التي تتحرك في نفوس الذين يجرون وراء العلم العاقل والتي تصلح للترجمة إلى بقية الفنون؟. لا شيء إلا عواطف مصنوعة مركبة. أما العاطفة الصادقة في نفوسهم فهي لا تتحرك إلا نحو غرض من أغراض الطبع والنشر والإذاعة
لا. ليس هذا فنَّا
وأخيراً. ما الذي يقبل من الفنان أن يكون عليه؟. . .
لا شيء أكثر من أن يعيش وهو لا يدبر في نفسه أنه سيخرج فنَّا. . . فليترك نفسه للحياة، وليسع إلى الصدق ما أمكنه السعي. وليبحث عن الجمال ما أمكنه البحث. ليقرأ، ولكن عليه أن يقرأ في صفحات الوجوه قبل أن يقرأ في صفحات الكتب. عليه أن يلتفت إلى الناس وإلى الحيوان وإلى النبات وإلى الجماد. فليعط كل نفسه لكل ما يحيط به من مظاهر الوجود. . . فليعاشر هذه الحياة، وليبادلها الحس، وليغتبط بكل ما تؤاتيه به سعادة أو محنة، وبكل ما يراه الناس من خير أو شر، وبكل ما يطالعه في الطبيعة من أحسن الصور وأقبحها فهذا وحده هو سبيل الفن، وليس من الضروري بعد ذلك أن يكون الفن كتابة أو ألحاناً أو صوراً. . . وإنما الفن هو حياة الهدى. . . ى وكم في جماهير الناس من ثقاة فنانين، وكم في الفنانين من مرتزقة أو - على الأقل - حائدين!